مساحة اعلانية

موضوع عشوائي

آخر المواضيع

قواعد في الجرح والتعديل ((1))

بين يدي هذه السلسلة 


علم الجرح والتعديل من العلوم التي تميزت بها هذه الأمة عن سائر الأمم ، وكان لسلف الأمة عناية فائقة بهذا العلم ، سلم تراثنا بذلك من التحريف والخرافات ، ومن الشك والتناقضات ..
ولقد كان لعلماء الحديث قصب السبق في توضيح الصحيح من السقيم من الأحاديث والآثار .. بعد أن جابوا الديار وقطعوا المفاوز والقفار ، وألفوا في هذا العلم آلاف الأسفار .. حتى صار هذا العلم بحرا لاساحل له . . ولم يقف الأمر عند هذا بل ورّثنا سلفنا منهجاً دقيقا في الحكم على الكتب والرجال والجماعات والفرق والمذاهب ..
وكان للمتأخرين اهتمام بالغ في هذا الموضوع .. فتكلموا عن منهج أهل السنة والجماعة في النقد والتقويم ، وجمعوا ماتفرق من دقائق هذا العلم ..

ولعلنا من خلال هذه النافذة نطالع شذرات مما كتب الأولون والآخرون ..وقد كنت جمعت أوراقا متفرقة في هذا الموضوع أسميتها ( قواعد في الجرح والتعديل ) كان عملي فيها الجمع والترتيب ، والاختيار والتنسيق .. رغبت نشرها في هذه المدونة المباركة لأراجعها وإياكم ، ولايفوتني هنا أن أشكر أخي الغالي خالد العويد الذي ساعدني في تفريغ المادة على الحاسب الآلي..آمل من إخواني ألايبخلوا علي بالرأي والتسديد . سائلاً المولى عز وجل التوفيق والسداد ، والهدى والرشاد .. والله من وراء القصد

القاعدة الأولى : (( واتقوا الله إن الله خبيرٌ بما تعملون ))

لو امتثلنا هذه الآية لاستغنينا عن كثير من الكلام ، ولوتواصينا بهذه الوصية : اتق الله فإنه خبير بما تعمل !! لاستطعنا تصحيح هذا الخلل التربوي وسلمنا من كثير من آفات اللسان .. وإليك هذي المواعظ عسى الله أن ينفعني وإياك بها :
* احذر لسانك وخف العاقبة :
يقول تعالى : ((ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )) [ ق 18 ].وفي الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما يقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ : ” ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكب الناسَ على وجوههم في النار - أو قال : على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم ” . وعند البخاري ” من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة ” . .
قال ابن القيم [ الجواب الكافي 54] : ” ومن العجب أَنَّ الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام ، والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر ومن النظر الحرام وغير ذلك . ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه!! حتى يرى الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة ، وهو يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً ينزل منها أبعد مما بين المشرق والمغرب . وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ولسانه يفري في أعراض الأحياء و الأموات لا يبالي ما يقول ” .
*لحوم العلماء مسمومة :-
فإذا كانت الغيبة للعلماء كانت العاقبة أعظم ، كما قال ابن ناصر الدين [ الرد الوافر 197 ] : لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة . ومن وقع فيهم بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب ” .
- قال ابن عساكر عن العلماء [ عيون الأخبار 1/ 329 ] :” الوقيعة فيهم بما هم منه براء : أمر عظيم ، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم ، والاختلاق على من اختاره الله منهم ليفشي العلم خُلق ذميم ، والاقتداء بما مدح الله به قول المتبعين من الاستغفار لمن سبقهم وصف كريم ..” .
* تجرد عن الهوى واطلب الحق :-
قال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدينِ والأقربينَ إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما . فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا )) .
- وقال تعالى : (( ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا . اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون )) .
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن أصحاب المقالات [ منهاج السنة 5/ 255 ] : ” فإن أكثرهم قد صار لهم في ذلك هوىً أن ينتصر جاههم أو رياستهم وما نُسب إليهم ، لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي العليا وأن يكون الدين كله لله ، بل يغضبون على من خالفهم وإن كان مجتهداً معذوراً لا يغضب الله عليه ! ويرضون عمَّن يوافقهم وإن كان جاهلاً سئّ القصد ! ليس له علم و لا حسن قصد ، فيفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله ، ويذموا من لم يذمه الله ورسوله . وتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله ، وهذا حال الكفار .. ومن هنا تنشأ الفتن بين الناس ” .- قال الإمام ابن ناصر الدين الدمشقي : ” هيهات هيهات ! إنَّ في مجال الكلام في الرجال عقبات مرتقيها على خطر ، ومرتقيها هوىً لا منجى منه من الإثم ولا وَزَر . فلو حاسب نفسه الرامي أخاه : ما السبب الذي هاج ذلك ؟ لتحقق أنه الهوى الذي صاحبه هالك!!” [ الرد الوافر 13 ] .
- قال ابن الجوزي : ” ومن تلبس إبليس على أصحاب الحديث قدح بعضهم في بعض طلباً للتشفي ويخرجون ذلك مخرج الجرح والتعديل الذي استعمله قدماء الأمة للذب عن الشرع والله أعلم بالمقاصد ” . أهـ [ تلبيس إبليس 143 ] .
- ذكر ابن السبكي [ طبقات الشافعية ] عن أبيه تحذيره المقوِّم : ” أن لا يغلبه الهوى ، فيخيل إليه هواه الإطناب في مدح من يحبه والتقصير في غيره وذلك بأن يكون عنده من العدل ما يقهر به هواه ، ويسلك معه طريق الإنصاف ، وإلا فالتجرد عن الهوى عزيز ..” .
-ثمة أمور تخالف التجرد أذكر منها على سبيل التنبيه والإشارة مايلي : التشفي من الغير ، ومحاولة التنقيص منهم برفع النفس ، وأن يمتزج التضعيف بدواعي الغيرة والحسد ، أو يكون لمجرد الهزل واللعب دون فائدة مرجوة ، أو أن يكون المدح من أجل تقريب شخص لصداقة خاصة ، أو العكس ، أو لخلاف في الرأي أو يكون لاكتساب مصلحة شخصية ولو كانت صغيرة كاكتساب ود أو عبارة مجاملة . أو أن يكون لإثبات قدرته في جزالة الرأي ، أو أن يكون النقد كنوع من الترف العقلي ” وفضل الرأي إذا لم يستعمل في رضوان الله ومنفعته الناس قائد إلى الذنوب ” كما قال الحسن [ عيون الأخبار 1/ 329 ] .؛ والله من وراء القصد .
((وللحديث صلة))نشر في مجلة المذنب بتاريخ 26/5/1423هـ


الكــاتــب

ليست هناك تعليقات:

أسعد بمشاركتك برأي أو سؤال

جميع الحقوق محفوظة لــ مدونة الباقي