مساحة اعلانية

موضوع عشوائي

آخر المواضيع

الدوائر الأربع للعمل التطوعي ((2))

الدائرة الأولى: الرواحل


تعريفهم:
 
الرواحل هم من نذروا أنفسهم للعمل التطوعي، وحملوا همَّه، وبذلوا أموالهم وأوقاتهم من أجله. 

أمثلة لهم: 
من السيرة: أبوبكر، وعمر، وعثمان، وعلي ، أصحاب بيعة العقبة، النقباء، أصحاب بدر، بيعة الرضوان، خديجة بنت خويلد، فاطمة بنت محمد إمام الرواحل صلى الله عليه وسلم.. من السلف: الأئمة الأربعة، شيخ الإسلام ابن تيمية، محمد بن عبدالوهاب.. 

أهم الصفات: 
ما هي أهم الصفات التي مَيَّزتهم عن سائر العاملين؟ الصفات التي سنذكرها موجودة في كل عامل، لكننا نقصد تحقُّقَ درجاتٍ عُليا منها، ويمكننا أن نُجملها في كلمة واحدة وهي: (السمو).. 
سمو الروح: 
ويمكن الحديث هنا عن بُعدين: 
الأول: الاجتهاد في الطاعة والعبادة(الأعمال الظاهرة).. ولنا أن نتساءل: ما الحكمة في إيجاب قيام الليل سنة كاملة في الفترة المكية؟.. التي كان الاهتمام فيها كبيراً في إعداد قاعدة النهوض الحضاري.. بل وحتى في المدينة يأتي التأكيد على هذا الجانب بشكل كبير.. ((نعم الرجل ابن عمر لو كان يقوم من الليل))..
البعد الآخر: مراقبة الله وخوفه ومحبته وإخلاص العمل له والثقة بنصره.. (أعمال القلوب).. وشواهد هذا في تربية رواحل السيرة النبوية كثيرة.. منها قصة خباب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جانب الثقة بنصر الله.. ((وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ مَا يَخَافُ إِلا اللَّهَ)) [صحيح البخاري(ج12/ص225)].. ومنها حديث النبي صلى الله عليه وسلم مع صاحبه في الغار: ((مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا)) [صحيح البخاري(ج11/ص485)].. ومنها وصيته صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: ((اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ..)) [مسند أحمد(ج45/ص40)].. والأمثلة في السيرة كثيرة..
ومن نافلة القول: أنه لا يصل لهذه المكانة مَنْ يحب التصدر، أو يطلب مالاً أو جاهاً، بل أكثر أعمال هذا الصنف غير ظاهرة للناس!!
سمو الذات:
سأتحدث عن هذا الجانب باستعراض أربع خلال: 
(1) البذل: هذا الصنف من الدعاة يضربون للناس أروع الأمثلة في البذل والتضحية (في المال، وفي الوقت، وفي الجهد، وفي النفس، وفي كل ما يملكون) عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضِي الله عَنهُ قَال: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالًا فَقُلْتُ الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا قَالَ فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟)) قُلْتُ: مِثْلَهُ، وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ: ((يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟)) قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللَّهَ وَرَسُولَه،ُ قُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا. أخرَجَه التِّرمِذِي وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ [سنن الترمذي-(ج12/ص134)]. وعن أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ احْتَمَلَ أَبُو بَكْرٍ مَالَهُ كُلَّهُ مَعَهُ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ سِتَّةَ آلَافِ دِرْهَمٍ قَالَتْ: وَانْطَلَقَ بِهَا مَعَهُ قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيْنَا جَدِّي أَبُو قُحَافَةَ وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ قَدْ فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ مَعَ نَفْسِهِ قَالَتْ: قُلْتُ: كَلَّا يَا أَبَتِ إِنَّهُ قَدْ تَرَكَ لَنَا خَيْرًا كَثِيرًا قَالَتْ: فَأَخَذْتُ أَحْجَارًا فَتَرَكْتُهَا فَوَضَعْتُهَا فِي كُوَّةِ الْبَيْتِ كَانَ أَبِي يَضَعُ فِيهَا مَالَهُ ثُمَّ وَضَعْتُ عَلَيْهَا ثَوْبًا ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ ضَعْ يَدَكَ عَلَى هَذَا الْمَالِ قَالَتْ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَا بَأْسَ إِنْ كَانَ قَدْ تَرَكَ لَكُمْ هَذَا فَقَدْ أَحْسَنَ وَفِي هَذَا لَكُمْ بَلَاغٌ قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ مَا تَرَكَ لَنَا شَيْئًا وَلَكِنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أُسْكِنَ الشَّيْخَ بِذَلِكَ [مسند أحمد-(ج 54/ص392)] 
(2) الفقه والعلم: وهي متطلب من متطلبات القيادة ، قَالَ عُمَرُ: (تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا) زاد البخاري: (وَبَعْدَ أَنْ تُسَوَّدُوا) [فتح الباري لابن حجر(ج1/ص118)]. 
(3) الصبر: قال سبحانه: ((وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ)) [السجدة/24] قال ابن القيم: (فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين) [عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين(ج1/ص25)] 
(4) اليقين (الثقة بنصر الله) : وفي قصة الفتح التي أخرجها البخاري [صحيح البخاري-(ج9/ص256)] في ذكر الحوار الذي دار بين عمر وأبي بكر.. قَالَ عُمَرُ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِ الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ وَهُوَ نَاصِرُهُ فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ فَوَاللَّهِ إِنَّهُ عَلَى الْحَقِّ، قُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ.. وهذا الشيخ تقي الدين ابن تيمية كان يحلف للامراء والناس إنكم في هذه الكرة منصورون - أي على التتر- فيقول له الأمراء: قل إن شاء الله، فيقول:إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا [البداية والنهاية(ج14/ص28)] ولسمو ذواتهم يلقى لهم القبول في الأرض: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ)) [متفق عليه، وهذا لفظ البخاري:صحيح البخاري-(ج10/ص486)] 
  سمو الهدف: 
عدم الالتفات إلى زخارف الدنيا وملذاتها من مركب وملبس ومسكن .. قال تعالى: ((وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى)) [طه/131] وقد كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ((اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا)) [صحيح مسلم-(ج14/ص222)] قال سفيان: هكذا كان هؤلاء، ولا ينبغي للرجل أن يكون إماما يُقتَدى به حتى يتحامى عن الدنيا. [تفسير القرآن العظيم لابن كثير(ج6/ص371)] بعد وقعة اليمامة يقترح عمر بن الخطاب على أبي بكر جمع القرآن ويتبنى المشروع أبوبكر، ويوليه زيد بن ثابت الذي يقول: فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنْ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ [صحيح البخاري-(ج 14/ص252)] قال عمر رضي الله عنه يوماً لأصحابه : « تمنوا » ، فقال بعضهم : أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهبا أنفقه في سبيل الله وأتصدق ، وقال رجل : أتمنى لو أنها مملوءة زبرجدا وجوهرا فأنفقه في سبيل الله وأتصدق ، ثم قال عمر : « تمنوا » فقالوا : ما ندري يا أمير المؤمنين ، فقال عمر : « أتمنى لو أنها مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وحذيفة بن اليمان » [المستدرك على الصحيحين للحاكم-(ج11/ص355)] هؤلاء قوم يفكرون بغيرهم أكثر من تفكيرهم بأنفسهم.. همتهم عالية.. وإرادتهم لا تنثني.. لا تزال كلمات ابن تيمية حيةً تنطق :”ماذا يفعل أعدائي بي أنا جنتي في صدري..إن سجني خلوة ، ونفيي سياحة وقتلي شهادة” ! إن من أهم سمات هذه الفئة: حمل هم الدعوة في كل أحوالهم! والتفكير الدائم بها .. فالدعوة لهم كالهواء الذي يتنفسونه.. والماء الذي يشربونه. 

مكانتهم: 
هؤلاء هم خير الناس: ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)) [فصلت/33] قال النبي صلى الله عليه وسلم ((لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ)) [صحيح البخاري-(ج12/ص5)] وقال للأنصار ((ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبعير ، وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم تدخلون به دوركم ، لو أنكم سلكتم واديا أو شعبا ، والناس واديا أو شعبا ، لسلكت واديكم أو شعبكم ، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الانصار ، وإنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني)) [مصنف عبد الرزاق-(ج11/ص64)] وهم قلب العمل النابض، لا بقاء له ولا استمرار إلا بهم! قال صلى الله عليه وسلم: ((ابو بكر وعمر من هذا الدين كمنـزلة السمع والبصر من الرأس)) [السلسلة الصحيحة-مختصرة-(ج2/ص457)] 

هل تتمنى أن تكون مِن الرواحل في مؤسستك الدعوية؟ 
قد يتردد البعض في الإجابة.. مع أنها في كتاب الله! قال تعالى: ((وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)) [الفرقان/74] هذا لايعني أن يطلب الإنسان الإمارة.. فالراحلة كما أسلفنا قلب العمل النابض ولا يشترط أن يكون قائده أو صاحب السلطة فيه. 

كيف تكون من الرواحل؟ إذا تحققت الصفات التي ذكرناها في العامل صار فيه من صفات الرواحل بقدر تحقق الصفات فيه.. والترحُّل في المؤسسات التطوعية نسبي.. فالعامل يترقى فيها بقدر ما يكون فيه من السمو.. 

ما نسبة الرواحل في الناس؟ 
على أحسن الأحوال 1%.. هكذا أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم ((النَّاسُ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لَا تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً)) [صحيح مسلم-(ج12/ص384)] وفي رواية ((لا تكاد تجد فيها راحلة))

كيف نوسع دائرة الرواحل؟ 
إذا كانت هذه الدائرة لا تتسع فالمؤسسة الدعوية والاجتماعية في طريقها إلى الزوال والتوقف.
وهل نتوقع لخلية نحلٍ الدوام دون أن تحل صغارها مكان كبارها في تسلسل ضروري للحياة؟!
مِن أي دائرة يمكننا أن نُغذي دائرة الرواحل؟ من دائرة العاملين بلا شك..وهنا نود تسجيل مجموعة من النقاط:
  • تربية العاملين تربية جادة هي التي تخرِّج الرواحل.. أما حياة الترف والتنعم فلا تُخرج غالباً إلا المتردية والنطيحة..
  • الذي لا يصبر على أعباء الجندية لن يكون قائداً في يوم من الأيام!
  • الإدارة الناجحة للبرامج التطوعية تطور العاملين: فمثلاً مهارة التفويض مهمة في إكساب العامل الثقة بالنفس وتحمل المسؤولية والقدرة على مواجهة الجماهير.
وهنا نطرح التساؤل التالي لقيادات العمل التطوعي: ما هي أبرز المهارات التي تحتاج إليها مؤسستك الدعوية لتطوير العاملين ونقلهم إلى دائرة الرواحل؟ 

  وللحديث صلة مع الدائرة الثانية إن شاء الله..

الكــاتــب

ليست هناك تعليقات:

أسعد بمشاركتك برأي أو سؤال

جميع الحقوق محفوظة لــ مدونة الباقي