مساحة اعلانية

موضوع عشوائي

آخر المواضيع

قواعد في الجرح والتعديل ((4))

الطريق إلى التقويم :

* كيف تعرف أحوال الناس :
بطرق متعددة ، منها :
(1) شهادة الاستفاضة ، وهي ما ينتشر بين الناس . وهي الأصل إن لم يكن لها معارض ولا يستفصل إلا عند الحاجة .
(2) طريقة الاختبار والامتحان وذلك عن طريق إسناد المهمات ومراقبة التنفيذ وكذلك فإن معرفة تأريخه خلال عمله نوع من الاختبار بالممارسة .
(3) عملية التقويم بواسطة الجرح والتعديل المبني على الخبرة والتجربة ، وعلى شهادات الاستفاضة ، أو على توثيق العدول من أصحاب الخلطة ، كالذين يتعاملون معه يومياً بالدرهم والدينار ، والخلطة بالجوار والعمل بنوعيه : المهني والدعوي ، وكذلك الخلطة بالأسفار وما شابهها كالرحلات البرية إذ أن مثل هذه الأمور تكشف الإنسان على حقيقته .

- قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - [ الفتاوى 15/ 330 ] :” ومعرفة أحوال الناس تارة تكون بشهادات الناس ، وتارة تكون بالجرح والتعديل وتارة تكون بالاختبار والامتحان ” .
* والإلهام مصدر :
- لا ننكر أن الإلهام والبصيرة الإيمانية حق ، وقد تستعمل للترجيح - في التقديم - بعد استيفاء الأدلة والقرائن .قال شيخ الإسلام [ الفتاوى 20 / 42 ] : القلب المعمور بالتقوى إذا رجح بمجرد رأيه فهو ترجيح شرعي . أهـ .
- وينبغي التنبيه على أنه يجب ان لا يبالغ بها فتؤخذ وتترك الظواهر الواضحة . فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يحكم إلا على وفق ما سمع كما في الحديث المتفق عليه : ” إنكم تختصمون إلى ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فأحكم له على نحو ما أسمع منه ” . [ متفق عليه ] .
- وعلى المقوم أن لا يكون مغروراً ببصيرته ومعجباً بما قد يفتح الله عليه .
- وعليه أن يعلم أن الورع وترك المعاصي والهوى مادة هذه البصيرة .
- قال ابن القيم [ إعلام الموقعين 1/ 128] : ” وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد يميِّز به بين الصحيح والفاسد والحق والباطل والهوى والضلال والغي والرشاد ويمده حسن القصد وتحري الحق وتقوى الرب في السر والعلانية ، ويقطع مادته اتباع الهوى وإيثار الدنيا ، وطلب محمدة الخلق واتباع الهوى ” .
* الافتقار طاقة الإبصار:
ومن يقوم بعملية التقويم عليه أن يستعين بالله في تقوية بصيرته وأن يلتجئ إلى الله حتى يفتح عليه في معرفة الناس .
* (( فتبينوا )):
- لابد من التثبت والتروي والنظر فيما يأتي من الأخبار قبل إصدار الحكم التقويمي .
- قال تعالى : ((يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )).قال ابن القيم [ إعلام الموقعين 1/147 ] : ” والله سبحانه لم يأمر برد خبر الفاسق ، بل بالتثبت والتبين فإن ظهرت الأدلة على صدقه قُبل خبره ، وإن ظهرت الأدلة على كذبه رُدَّ خبره وإن لم يتبين واحد من الأمرين وقف خبره ” .
- وفي الأثر : ” كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع ” .
- وفي الصحيحين : ” نهى عن قيل وقال ” .- ” بئس مطية الرجل : زعموا ” [ أبو داود ] .
- وعند ورود الخبر ينبغي مراعاة ما يلي :
(1)عدالة الناقل وعدم اتهامه بالكذب .
(2)ضبطه وإتقانه وقوة حفظه . ذكر وكيع حديثاً رواه أحد السلف وقال : ” ذاك رجل صالح .. وللحديث رجال ” [ شرح علل الترمذي لأبن رجب 1/ 94 ] .
(3)حسن الفهم ودقة الاستيعاب للمراد . قال شيخ الإسلام : ” وكثير من الناقلين ليس قصده الكذب ، لكن المعرفة بحقيقة أقوال الناس من غير نقل ألفاظهم وسائر ما به يعرف مرادهم قد يتعسر على بعض الناس ويتعذر على بعضهم ” . [ منهاج السنة 6/ 303] .
(4)مراعاة اتصال السند إلى منتهاه .
(5)مقارنة الخبر بالسنن الإلهية وبالأحوال الجارية وبحال الشخص .قال تعالى : (( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً ))وهذا ما يسمى بدليل ” المقايسة ” .
ولما بلغ شيخ الإسلام كلاماً عن سهل التستري - رحمه الله - مما فيه مخالفة شريعة ، قال : وهذه الحكاية إما كذب على سهل وهو الذي نختار أن يكون حقاً أو تكون غلطاً منه فلا حول ولا قوة إلا بالله ” . [ الفتاوى 14/ 366]
وأمثلة ذلك كثيرة :منها ما ذكره الذهبي [ في السير 19 / 223] في ترجمة الإمام أبي منصور الخياط أن ابن النجار نقل في تأريخه : ” أن أبا منصور الخياط بلغ عدد من أقرأهم من العميان سبعين ألفاً ” قال الذهبي : ” قلت : هذا مستحيل والظاهر أنه أراد أن يكتب نفساً فسبقه القلم فخط ألفاً ، ومن لقن القرآن لسبعين ضريراً فقد عمل خيراً كثيراً ” .
- وفي ترجمة ابن الجوزي - رحمه الله - ذكر الذهبي [ السير 21/ 370 ] قول من قال بأنه : ” كان يجتمع في مجالس وعظه ما يقدر بمائة ألف - ثم قال - ولاريب أن هذا ما وقع ، ولو وقع لما قدر أن يُسمعهم ولا المكان يسعهم ” .وسيأتي مزيد بسط لها عند مبحث ” إحسان الظن ” .
* ((إن بعض الظن إثم ))
- قال تعالى : ((يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم )).
- وقال : ((لولا إذ سمعتموه ظن الذين المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين )).
- فالأصل في المسلم العدالة والواجب إحسان الظن به والأخذ بظاهر الأعمال ، والحكم من خلال الوقائع مع مراعاة الظروف والنظر في الأوصاف الملازمة ، والأخذ بالقرائن كأدلة إضافية .
- ” والاعتبار بطريقة القائل وسيرته ومذهبه وما يدعوا إليه ويناظر عنه ” [ ابن القيم مدارج السالكين 3/ 521] .
- واستدرك ابن القيم على الهروي لفظاً ثم قال : ” ولا توجب هذه الزلة من شيخ الإسلام إهدار محاسنه ، وإساءة الظن به ” [ السابق 1/198] .
- ولما نقل لشيخ الإسلام كلام عن الجنيد - رحمه الله - ظاهرة المخالفة قال : فهذا ما أعرفه من كلام الجنيد ، وفيه نظر هل قاله ؟. ولعل الأشبه أنه ليس من كلامه المعهود فإن كان قد قال هذا فأراد كذا [ وبدأ يلتمس له المحل والمخارج ] ثم قال : فإن الجنيد أجل من أن يريد هذا ، وهذا الكلام مردود على من قاله .[ ثم قال كلاماً لا يحسن تجاوزه :] كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ثمَّ معصوم من الخطأ غير الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن الشيوخ الذين عرف صحة طريقتهم علم أنهم لا يقصدون ما يعلم فساده بالضرورة من العقل والدين . [ الفتاوى 11/391-393] .
- وما أحسن ما قاله السبكي - رحمه الله - [ قاعدة في الجرح والتعديل 93] ، قال : فإذا كان الرجل ثقةً مشهوداً له بالإيمان والاستقامة ، فلا ينبغي أن يحمل كلامه وألفاظ كتاباته على غير ما تُعود منه ومن أمثاله ، بل ينبغي التأويل الصالح وحسن الظن الواجب به وبأمثاله . أهـ .
- فلزم احترام أصحاب السابقة ، وكبار العلماء والدعاة والمصلحين الصالحين ، وعدم المسارعة إلى تجريحهم والتزام : ” الحذر كل الحذر ، أن تفهم قاعدتهم الجرح مقدم على التعديل على إطلاقها ، بل الصواب أن من ثبتت إمامته وعدالته وكثر ما دحوه ، وكانت هنالك قرينة دالة على سبب جرحه ، من تعصب مذهبي أو غيره ، لم يلتفت إلى جرحه ” [ طبقات الشافعية لابن السبكي 1/ 188].
- وفي الأثر ” أقبلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود ” .
* بين الجرح والتعديل :
- لما كان الأصل في الناس أنهم ثقات وأهل العلم والدعاة أولى من غيرهم بهذه الصفة فإن التعديل والتوفيق يقبل مجملاً ودون تفصيل (لأنه الأصل ) ، بينما الجرح لا يقبل إلا مفسراً
- ولذلك قال ابن عبد البرٍ [جامع بيان 2/152]:”إن أهل العلم لا يقبل الجرح فيهم إلا ببيان واضح “.
- قال الإمام أحمد [ تهذيب التهذيب 7/273]:كل رجل ثبتت عدالته لم يقبل فيه تجريح أحد حتى يتبين ذلك عليه بأمر لا يحتمل غير جرحه “
- وكذلك إذا اجتمع الجرح والتعديل وكثر عدد العدلين واستفاضت الأخبار بالتوثيق فلا يلتفت إلى الجرح خاصة أصحاب الفضل والعلم كما دل عليه كلام البكي السابق .
- فإن اجتمع الجرح والتعديل في شخص فإن الجرح فيما سوى ذلك . وهذا التخصيص هو الفارق مع قاعدة علم الحديث لأن المقصد في قاعدتهم واحد وهو الصلاحية للرواية ، بينما تتعد المقاصد في العمل الإسلامي .
- ويجب ملاحظة أن أصحاب السوابق من المجاهدين بالمعاصي الفكرية أو الأخلاقية أو الدعين إلى البدع : يكون الجرح فيهم مقدماً ولا يقبل التوثيق فيهم إلا مفسراً . (وذلك بناء على الأصل )
- وكلام الأقران يطوى ولا يروى : فلا يؤخذ به غالباً وخاصة في أوقات الفتن ووجود المشاكل والمنافسة وقد قرر ابن عبد البر “أن لا يقبل كلام بعضهم في بعض ، وأن كان كل منهم بمفردة ثقة حجة “[جامع بيان العلم 2/ 150]
- قال الإمام الذهبي ” كلام الأقران بعضه في بعض لا يعبأ به ، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لذهب أو لحسد . وما ينجو منه إلا من عصمه الله.وما علمتُ أنَّ عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين . ولو شئت لسردت من ذلك كراريس”. [ميزان الاعتدال 1/251] قال ذلك عندما ترجمه أبو النعيم الأصفهاني .
- وقال فيه صدوق تكلم فيه بلا حجه ولكن هذه عقوبة من الله لكلامه في ابن منده بهوى …[ ثم قال ] وكلام ابن منده في أبي نعيم فضيح لا أحب حكايته ولا أقبل قول كل منهما في الآخر بل هما عندي مقبولان…أهـولهذا لم يقبل العلماء كلام النسائي في ” المعدي ” لأمر بينهما..
- وقال ابن حجر [ هدي الساري 385]:” واعلم أنه قد وقع من جماعة الطعن في جماعة بسبب اختلافهم في العقائد ،فينبغي التنبه لذلك وعدم الاعتداء به إلا بحق “.
- ولذا كان تجريح بعض الرؤوس لبعضهم البعض مما يجب ألا يستمع له ، ولا يعتد به ، إلا بأدلة واضحة بينه . خصوصاً إذا وجد فطنه الحسد والتنافس .
*الرجوع إلي الحق خير من التمادي في الباطل :
-قال عمر في كتابه ” ولا يمنعنك قضاء قضيته به اليوم فراجعت فيه رأيك وهديت فيه لرشدك أن تراجع إلى الحق ، فإن الحق قديم ولا يبطله شئ ، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ” .
- قال ابن القيم [الأعلام 1/ 155] يريد أنك إذا اجتهد في حكومة ثم وقعت لك مره أخرى فلا يمنعك الاجتهاد الأول من إعادته ،فإن الاجتهاد قد يتغير ولا يكون الاجتهاد الأول مانعاً من العمل بالثاني إذا ظهر أنه الحق ، فإن الحق أولى بالإيثار لأنه قديم مسابق غلى الباطل .أهـ.
* دع المبالغة وتجنب أسبابها:
- وقد ذم السلف المبالغة إجمالاً وعند التقويم خصوصاً:
- في ترجمة الشافعي نقل الذهبي قول يونس بن عبد الأعلى فيه ” ولو جمعت أمه لوسعهم عقله ” ثم قال - وهو الشافعي ” قلت :هذا على سبيل المبالغة “. [ سير أعلام النبلاء 10/15] .
- وفي ترجمة الإمام أحمد نقل قول محمد بن مصعب العابد فيه ” لسوط ضُربه أحمد بن حنبل في الله أكبر من أيام بشر بن الحارث ” فتعقب الذهبي هذا القول فقال :” بشر عظيم القدر كأحمد ولا ندري وزن الأعمال إنما الله يعلم ذلك ” [السابق 11/201] .
- وكذلك نقل في ترجمته قول رجل ” عندنا بخرا سان يظنون أنه من الملائكة ، وقال آخر :نظرة عندنا من أحمد تعدل عبادة سنه قلت -
القائل الذهبي - : هذا غلو لا ينبغي لكن الباعث له حب ولى الله في الله “[السابق 11/211] .
- وينبغي التنبيه على عدم تجاوز الحدود الشريعة في المدح أو الذم والوصف بما لا يعلمه إلا الله كالشهادة بالإيمان المحض أو الجزم بالنفاق فهذا لاسبيل للبشر بمعرفته.
- والمبالغة بالمدح في وجهه أولى بالمنع ، والثناء بحضرته أدعى للخطر .وذلك للنهى الوارد .
- ” أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل ” .” ويحك قطعت عنق صاحبك ” .
- ” وفي الجملة المدح والثناء على الرجل مكروه لأنه قلَّما يسلم المادح عن كذب يقوله في مدحه ، وقلَّم يسلم الممدوح من عجب يداخله ” [شرح السنه للبغوي 13/151] .
- يستثنى من ذلك مدح التشجيع إذا إومن الافتتان ” كان خير فرساننا اليوم أبو قتاده وخير رجَّلتنا تُّسلمه “[مسلم] واستنبط ابن حجر منه ” استحباب الثناء على الشجاع ومن فيه فضيلة لا سيما عند الصنع الجميل ليتزيد من ذلك ، ومحله حيث يؤمن الافتتان ..” [ الفتح 7/ 463] .
- وقال عن بني تميم ” هم أشد أمتي على الدجال ” [ متفق عليه ] .
- وقال في الذين فروا يوم أحد ” بل أنتم العكارون وأنا فئتكم ” يمهد لقبول عذرهم .
*الرجوع إلى الحق ..فضيلة :
إن تبين للمقوم خطأه فينبغي عليه الرجوع إلى الحق .

((وللحديث صلة))


الكــاتــب

ليست هناك تعليقات:

أسعد بمشاركتك برأي أو سؤال

جميع الحقوق محفوظة لــ مدونة الباقي