في هذا المقال والمقالات التالية سنجيب - إن شاء الله - عن التساؤل المهم: كيف نغرس القيم؟ والمتوقع أن القارئ العزيز قد تهيأ ذهنيًّا وفكريًّا للإجابة على هذا السؤال من خلال سلسلة المقالات السابقة(*)..
كيف نغرس القيم؟
سبق أن ذكرنا أن الباطن يحوي الأفكار والقناعات والقيم، وهذه الثلاث مرتبطة ببعضها، فالفكرة إذا ازدادت دلائلُ صدقها عند الإنسان صارت قناعةً، والقناعة إذا ترسخت لديه صارت بمنزلة القيمة، وفي المقابل فإن أفكار الإنسان تتحدد بناء على ما يحمله من قيم وقناعات.
والمربي الصادق لن تعجزه الحيلة في تصحيح فكر المتربي، وتوجيه قناعاته، وبناء قيمه، وفيما يلي جملة من الوسائل التي تفتح أفقًا للمربي كي ينطلق في غرس القيم الفاضلة في نفس المتربي.
والمربي الصادق لن تعجزه الحيلة في تصحيح فكر المتربي، وتوجيه قناعاته، وبناء قيمه، وفيما يلي جملة من الوسائل التي تفتح أفقًا للمربي كي ينطلق في غرس القيم الفاضلة في نفس المتربي.
سبل غرس القيم، وتوجيه القناعات:
1 - المحاضرة:
وهو أسلوب مهم، وأساس في العمل التربوي، إلا أن المشكلة تكمن في اقتصار المربين عليه.. وهذا الأسلوب ينجح مع الصغير أكثر من نجاحه مع الكبير، لأن الصغير يتقبل التوجيه من الخارج أكثر من الكبير الذي تكونت لديه منظومة من القيم والقناعات تضبط قبوله أو رفضه للتوجيهات الخارجية..
وضابط نجاح المحاضرة: عدم الإملال.. وفي الجملة فالأفضل ألا يتكرر أسلوب المحاضرة كثيرًا، وألا يطول إذا بدأ! وقدوتنا في هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد جاء في صحيح البخاري -(ج 1 / ص 124)- عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوَدِدْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا. وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْرُدُ سَرْدَكُمْ هَذَا، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلامٍ بَيْنَهُ فَصْلٌ يَحْفَظُهُ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ. [سنن الترمذي- (ج 12 / ص 92)].
2 - القدوة "النجم":
لو أردت أن أختصر الموضوع لقلت إن المربي الذي ينجح في احتواء المتربي عاطفياً ويتمثل المنهج الإسلامي ظاهراً وباطنا، فسيكون قادراً على غرس القيم في المتربي - بإذن الله - تلقائياً ودون كثير جهد.
وأولادنا يكوِّنون أغلب قيمهم في الست سنوات الأولى من حياتهم من خلال مشاهدة ومراقبة الأبوين ورصد استجاباتهم للمؤثرات المختلفة.. ومشكلتنا أننا لانعير هذه الفترة أي اهتمام، بل إننا نساهم في غرس قيم خاطئة لدى أولادنا!.
يحتاج المربي إلى صُنع قدوات للمتربي، وتراثنا الإسلامي مليء بالنجوم والقدوات، وواجبنا إبرازهم لأولادنا. وفي بيئة المتربي ثمة قدوات من العلماء والمصلحين والمربين والأصدقاء الصالحين ينبغي لنا أن نَلفِت انتباهَه إليهم.
لقد صنعت وسائل الإعلام لأبنائنا نجومًا وقدوات رغمًا عنا (نجوم الفن والرياضة والإعلام) حتى إن أبناءنا صاروا يعرفون عن هؤلاء أكثر بكثير مما يعرفون عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام ورعيل الأمة الأول.
وهذا اقتراح يمكن أن ينفذه رجل أعمال مخلص لدينه: يتلخص الاقتراح في صناعة نجم للأطفال، ولنسمِّه مثلاً "هادي" ويمثل هذا البطل مجموعة من الأخلاقيات، ويمارس مجموعة من السلوكيات التي من شأنها غرس القيم، كمساعدة الناس، ومجاهدة الأعداء أهل الشر، ورحمة الخلق، وبر الوالدين، وله مجموعة من الصفات الحميدة (الإيمان بالله وبدينه الإسلام، ومحبة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والقوة، والحلم، والصبر، والحياء..) وترسم صورته كي يُقتدى بها، ويمكن الاستفادة هنا من وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - الخلْقي (شاب جميل الهيئة، ربعة القد، عريض المنكبين، كث اللحية، مضيء الوجه..)، ويكون له مسلسل كرتوني، ومجلة أطفال، ولعبة (بلاي ستيشن)، ولعبة كمبيوتر (يصاغ سيناريو حلقاتها بإشراف مجموعة من المتخصصين في علوم الشريعة والتربية والإعلام)، وتطبع صورته على الأدوات المدرسية (شنط، أقلام، دفاتر..)، وعلى المواد الغذائية (فيشار، بسكويت، عصير..)، وعلى الأدوات التي يستخدمها الأطفال في المنزل (فرشة أسنان، طاولة، لُعَب..) ويخرج في البرامج الدعائية للمنتجات الفاضلة (غذاء مفيد، مدينة ألعاب محافظة..). إن مثل هذه الشخصية يمكن أن تحفظ حقوقها وتكون (علامة تجارية مسجلة)، ويكوَّن لها فريق متكامل يحوي الخبراء الشرعيين، والتربويين، والاقتصاديين، والإعلاميين، والفنيين المتخصصين. ولا بد من الاستفادة من التجارب والنظريات الحديثة في الإعلام والتفكير كي تخرج هذه الشخصية بشكل جذاب، ومسلسلات درامية وفكاهية إبداعية[1].
3 - الحوار:
بعض الآباء يُلبس الموعظة ثوب الحوار!ويقدم النصائح تلو النصائح باسم الحوار.. ويفتتح جلسة النقاش مع المتربي ليقنعه رغماً عنه، لا ليفهمه وليشعره بفهمه له.. ولذا يحس كل من الطرفين أثناء وبعد النقاش بعدم فهم الآخر له..
الحوار له فنه،وهو من أنجع الوسائل في غرس القيم، والحوار الهادئ يحقق الاندماج الشعوري بين المتحاورين، ويفتح قلب المتربي، إضافة إلى أنه يساعد على نبش الأفكار المتناثرة وترتيبها بشكل مناسب لتوجيه قناعات المتربي نحو الأفضل.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا! فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ قَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ: ((ادْنُهْ)) فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا قَالَ: فَجَلَسَ، قَالَ: ((أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟)) قَالَ: لا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ)) قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لابْنَتِكَ؟)) قَالَ: لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ))، قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟)) قَالَ: لا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ))، قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟)) قَالَ: لا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ))، قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟))، قَالَ: لا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاتِهِمْ)) قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ))، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ. [مسند أحمد - (ج 45 / ص 180)].
وهنا قِف عند الحوار العقلي الهادئ، فإن الشاب جاء وهو يعلم حرمة الزنا لذا لم يكن من المناسب تذكيره بالنصوص الدالة على حرمته، بل استخدم معه أسلوب المقايسة، وهو أسلوب عقلي تُقِرُّهُ الفطر السليمة. ثم لاحظ الأُلْفة التي كونها النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له:(ادنُه) وجلس قريبًا منه، وهذه الهيئة تشعر الشاب بالأمان، والحب الذي نلحظه في حديث الشاب (لا والله، جعلني الله فداءك) مما يشعرنا بارتخاء وعي مشاعر هذا الشاب ليسمح لكلمات النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تدخل إلى وجدانه. وفي ختام الحوار يضع يده عليه ويدعو له بهذا الدعاء الندي الجميل.. هذه الخاتمة ودَّعَتْ قلب الشاب بعدما أوْدَعتْ فيه بغض الزنا. لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدها بحاجة إلى أن يسأله: أما زال يرغب في الزنا؟ أو هل اقتنع أو لم يقتنع؟.. فلم يكن الفتى بعد ذلك يلتفت إلى شيء..
وللحديث صلة..
========
(*) أصل المقال نشر في موقع الألوكة
[1] اطلعت بعد إعداد هذه المقالات على تجربة مشروع المسجد الحرام والتي أبرزوا فيها شخصية الطفل "مكي" من خلال مجلة أطفال ابتداءً ويخططون لدعم هذه الشخصية بمدينة ألعاب وبرامج إعلامية متنوعة عسى أن يكون مكي المسلم بديلاً لميكي الكافر
وهو أسلوب مهم، وأساس في العمل التربوي، إلا أن المشكلة تكمن في اقتصار المربين عليه.. وهذا الأسلوب ينجح مع الصغير أكثر من نجاحه مع الكبير، لأن الصغير يتقبل التوجيه من الخارج أكثر من الكبير الذي تكونت لديه منظومة من القيم والقناعات تضبط قبوله أو رفضه للتوجيهات الخارجية..
وضابط نجاح المحاضرة: عدم الإملال.. وفي الجملة فالأفضل ألا يتكرر أسلوب المحاضرة كثيرًا، وألا يطول إذا بدأ! وقدوتنا في هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد جاء في صحيح البخاري -(ج 1 / ص 124)- عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوَدِدْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا. وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْرُدُ سَرْدَكُمْ هَذَا، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلامٍ بَيْنَهُ فَصْلٌ يَحْفَظُهُ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ. [سنن الترمذي- (ج 12 / ص 92)].
2 - القدوة "النجم":
لو أردت أن أختصر الموضوع لقلت إن المربي الذي ينجح في احتواء المتربي عاطفياً ويتمثل المنهج الإسلامي ظاهراً وباطنا، فسيكون قادراً على غرس القيم في المتربي - بإذن الله - تلقائياً ودون كثير جهد.
وأولادنا يكوِّنون أغلب قيمهم في الست سنوات الأولى من حياتهم من خلال مشاهدة ومراقبة الأبوين ورصد استجاباتهم للمؤثرات المختلفة.. ومشكلتنا أننا لانعير هذه الفترة أي اهتمام، بل إننا نساهم في غرس قيم خاطئة لدى أولادنا!.
يحتاج المربي إلى صُنع قدوات للمتربي، وتراثنا الإسلامي مليء بالنجوم والقدوات، وواجبنا إبرازهم لأولادنا. وفي بيئة المتربي ثمة قدوات من العلماء والمصلحين والمربين والأصدقاء الصالحين ينبغي لنا أن نَلفِت انتباهَه إليهم.
لقد صنعت وسائل الإعلام لأبنائنا نجومًا وقدوات رغمًا عنا (نجوم الفن والرياضة والإعلام) حتى إن أبناءنا صاروا يعرفون عن هؤلاء أكثر بكثير مما يعرفون عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام ورعيل الأمة الأول.
وهذا اقتراح يمكن أن ينفذه رجل أعمال مخلص لدينه: يتلخص الاقتراح في صناعة نجم للأطفال، ولنسمِّه مثلاً "هادي" ويمثل هذا البطل مجموعة من الأخلاقيات، ويمارس مجموعة من السلوكيات التي من شأنها غرس القيم، كمساعدة الناس، ومجاهدة الأعداء أهل الشر، ورحمة الخلق، وبر الوالدين، وله مجموعة من الصفات الحميدة (الإيمان بالله وبدينه الإسلام، ومحبة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والقوة، والحلم، والصبر، والحياء..) وترسم صورته كي يُقتدى بها، ويمكن الاستفادة هنا من وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - الخلْقي (شاب جميل الهيئة، ربعة القد، عريض المنكبين، كث اللحية، مضيء الوجه..)، ويكون له مسلسل كرتوني، ومجلة أطفال، ولعبة (بلاي ستيشن)، ولعبة كمبيوتر (يصاغ سيناريو حلقاتها بإشراف مجموعة من المتخصصين في علوم الشريعة والتربية والإعلام)، وتطبع صورته على الأدوات المدرسية (شنط، أقلام، دفاتر..)، وعلى المواد الغذائية (فيشار، بسكويت، عصير..)، وعلى الأدوات التي يستخدمها الأطفال في المنزل (فرشة أسنان، طاولة، لُعَب..) ويخرج في البرامج الدعائية للمنتجات الفاضلة (غذاء مفيد، مدينة ألعاب محافظة..). إن مثل هذه الشخصية يمكن أن تحفظ حقوقها وتكون (علامة تجارية مسجلة)، ويكوَّن لها فريق متكامل يحوي الخبراء الشرعيين، والتربويين، والاقتصاديين، والإعلاميين، والفنيين المتخصصين. ولا بد من الاستفادة من التجارب والنظريات الحديثة في الإعلام والتفكير كي تخرج هذه الشخصية بشكل جذاب، ومسلسلات درامية وفكاهية إبداعية[1].
3 - الحوار:
بعض الآباء يُلبس الموعظة ثوب الحوار!ويقدم النصائح تلو النصائح باسم الحوار.. ويفتتح جلسة النقاش مع المتربي ليقنعه رغماً عنه، لا ليفهمه وليشعره بفهمه له.. ولذا يحس كل من الطرفين أثناء وبعد النقاش بعدم فهم الآخر له..
الحوار له فنه،وهو من أنجع الوسائل في غرس القيم، والحوار الهادئ يحقق الاندماج الشعوري بين المتحاورين، ويفتح قلب المتربي، إضافة إلى أنه يساعد على نبش الأفكار المتناثرة وترتيبها بشكل مناسب لتوجيه قناعات المتربي نحو الأفضل.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا! فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ قَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ: ((ادْنُهْ)) فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا قَالَ: فَجَلَسَ، قَالَ: ((أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟)) قَالَ: لا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ)) قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لابْنَتِكَ؟)) قَالَ: لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ))، قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟)) قَالَ: لا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ))، قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟)) قَالَ: لا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ))، قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟))، قَالَ: لا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاتِهِمْ)) قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ))، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ. [مسند أحمد - (ج 45 / ص 180)].
وهنا قِف عند الحوار العقلي الهادئ، فإن الشاب جاء وهو يعلم حرمة الزنا لذا لم يكن من المناسب تذكيره بالنصوص الدالة على حرمته، بل استخدم معه أسلوب المقايسة، وهو أسلوب عقلي تُقِرُّهُ الفطر السليمة. ثم لاحظ الأُلْفة التي كونها النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له:(ادنُه) وجلس قريبًا منه، وهذه الهيئة تشعر الشاب بالأمان، والحب الذي نلحظه في حديث الشاب (لا والله، جعلني الله فداءك) مما يشعرنا بارتخاء وعي مشاعر هذا الشاب ليسمح لكلمات النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تدخل إلى وجدانه. وفي ختام الحوار يضع يده عليه ويدعو له بهذا الدعاء الندي الجميل.. هذه الخاتمة ودَّعَتْ قلب الشاب بعدما أوْدَعتْ فيه بغض الزنا. لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدها بحاجة إلى أن يسأله: أما زال يرغب في الزنا؟ أو هل اقتنع أو لم يقتنع؟.. فلم يكن الفتى بعد ذلك يلتفت إلى شيء..
وللحديث صلة..
========
(*) أصل المقال نشر في موقع الألوكة
[1] اطلعت بعد إعداد هذه المقالات على تجربة مشروع المسجد الحرام والتي أبرزوا فيها شخصية الطفل "مكي" من خلال مجلة أطفال ابتداءً ويخططون لدعم هذه الشخصية بمدينة ألعاب وبرامج إعلامية متنوعة عسى أن يكون مكي المسلم بديلاً لميكي الكافر
ليست هناك تعليقات:
أسعد بمشاركتك برأي أو سؤال