مساحة اعلانية

موضوع عشوائي

آخر المواضيع

نحو تدريس فعّال.. نظرة إلى معاهدنا العلمية(2)

نحو تدريس فعّال.. نظرة إلى معاهدنا العلمية
(الجزء الثاني)


لنبدأ الحديث عن منهجنا التعليمي..
تكنولوجيا التعليم والتدريس الفعال [6] :
نتيجة لإحساس النخب التربوية بأهمية تطوير طرقنا ومناهجنا التعليمية ظهر منهج ( تكنولوجيا التعليم ) في النصف الأول من القرن العشرين ، وازدهر حتى أصبح علماً مستقلاً وركناً أساسياً في العملية التعليمية .
إن تكنولوجيا التعليم لا تعني مجرد استخدام الآلات والأجهزة الحديثة ، بل هي « طريقة منظومية في التخطيط والتنفيذ والتقويم لجميع عناصر عمليتي التعليم والتعلم في ضوء أهداف محددة ، تقوم أساساً على البحوث في تعلم الإنسان وتواصله ، وتستخدم جميع المصادر المتاحة البشرية وغير البشرية وذلك لإحداث تعلم فعّال » [7] .
وغاية تكنولوجيا التعليم هي الوصول إلى تعلم فعّال كما هو واضح من التعريف السابق ؛ وذلك من خلال أسسه الأربعة ( تحديد الأهداف ثم تصميم مادة التعلم ثم التقويم ثم التحسين ) .

إذا طبقنا هذا المفهوم ( تكنولوجيا التعليم ) ، وراعينا أسسه عند تخطيطنا للدروس فإننا ننتج بعون الله تعليماً فعّالاً .
أولاً : الأهداف :
الهدف من المنظور التربوي هو ما يكون الطالب قادراً على أدائه بعد تعرضه لعملية تعليم . وللأهداف درجات من حيث التعميم ؛ ولذا عمد علماء التربية إلى وضع مسميات تضع فواصل بين تلك الدرجات هي :الغايات والمرامي ، الأهداف العامة ، الأهداف الخاصة ( السلوكية ) ؛ والأخيرة تركز على ما يتعلمه الطالب في كل درس .
تصنيف الأهداف :
أشهر تصنيف للأهداف هو تصنيف بلوم ؛ حيث صنف الأهداف إلى ثلاثة مجالات ، هي : المجال الإدراكي ( المعرفي ) ، والمجال الوجداني ، والمجال المهاري . ولكل مجال من هذه المجالات مستويات تتدرج من البسيط إلى المركب [8] .
أهمية تحديد الأهداف :
تحديد الأهداف من الركائز المهمة لنجاح الدرس وفعاليته ؛ وذلك لما يلي :
1 - في دراسة أجراها ميجر وكلارك أوضحت أن الطلاب الذين يعرفون الأهداف الرئيسية للمقرر الدراسي والذين يزودون بقائمة بالمراجع المناسبة ، يمكن أن يقوموا بتدريس أنفسهم في نصف الوقت الذي يستغرقونه بطرق التدريس العادية .
2 - عند تحديد الأهداف فإنها تصبح هاجساً للمعلم يفكر في كيفية تحقيقها .
3 - عند تحديد الأهداف يساعد المعلم في اختيار المحتوى ؛ إذ إنها تحدد له النقاط المهمة والمحتوى المناسب .
4 - تحديد الأهداف يساعد على اختيار طريقة التدريس المناسبة ، واختيار أنسب الوسائل لتحقيقها .
5 - تحديد الأهداف يساعد في تحديد أنسب الطرق لعمليات القياس والتقويم والاختبارات .
معايير الهدف الصحيح :
الصياغة السليمة للهدف تمكن المعلم من معرفة ماذا يريد تماماً ! ويُشترَط لصحة صياغة الهدف شروط من أهمها ما يلي :
1 - أن يصاغ الهدف من خلال التلميذ ، مثل : أن يذكر الطالب نوع التوحيد الذي أقرَّ به الكفار زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يصح الهدف التالي : أن أبين للتلاميذ نوعاً .. أو أن أشرح ..
2 - أن يعكس الهدف سلوكاً مشاهداً ، إما أن يكتب أو يتكلم أو يقوم بنشاط عملي ، مثل : أن يكتب الطالب ما لا يقل عن ثلاثة أسطر يعبر فيها عن بغضه للنفاق الاعتقادي ، أن يعدد الطالب نواقض الوضوء ، أن يتوضأ الطالب وضوءاً لا يخل بأركانه الستة ، ولا يصح مثلاً : أن يبغض الطالب النفاق الاعتقادي ، أن يَعْرِف الطالب نواقض الوضوء ، أن يفهم الطالب أركان الوضوء .
3 - أن يحوي معياراً للأداء المناسب : وذلك لنتمكن من قياس مدى تحقق هذا الهدف ، مثل : أن يذكر الطالب نسب الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الكتاب ص .. خلال نصف دقيقة ، ولا يصح : أن يذكر الطالب نسب الرسول صلى الله عليه وسلم .
بعد هذا العرض الموجز نتساءل : في معاهدنا العلمية هل يستحضر المعلمون الأهداف العامة للمنهج ؟ وهل يحددون الأهداف السلوكية التي يرجونها بعد الدرس ؟ ! الكثير منهم هدفه الأساس : إعطاء الطالب أكبر كمية من المعلومات !
ثانياً : تصميم مادة التعلم :
في معاهدنا العلمية : تصميم مادة التعلم معناه إعداد المادة العلمية اللازمة لشرح الدرس ؛ وذلك بالرجوع إلى المراجع وقراءة ما يتعلق بالموضوع . وفي الواقع أن هذا العمل خطوة مهمة لا غنى عنها ، لكنها لا تكفي لإعداد درس فعّال ! !
عند تصميم مادة التعلم ينبغي الإجابة على الأسئلة الآتية :
ما هي الطريقة المناسبة لتدريس هذا الدرس ؟
ما هو المحتوى المناسب لتحقيق الأهداف ؟
ما هي الوسائل التعليمية المناسبة ؟
الإجابة عن هذه الأسئلة هي أهم ما يواجه المعلم عند تصميم مادة التعلم :
1 - طريقة التدريس : نجاح العملية التعليمية مرهون إلى حد كبير بنجاح الطريقة ؛ فالطريقة الجيدة تغطي عيوب الكتاب المدرسي ، وتتغلب على ضعف التلاميذ ، وتحقق الأهداف بأيسر جهد وأسرع وقت ، وتدفع التلاميذ إلى التعلم . وطرق التدريس كثيرة ، منها : الإلقائية ، والحوارية ، والاستنتاجية ، وطريقة المشروع ، وحل المشكلات ، والقصة ، ولكل طريقة مميزاتها وعيوبها ، وعلى المدرس أن يختار منها ما يناسب ، ويحاول التقليل من عيوب الطريقة المختارة . وثمة أمور ينبغي للمعلم التنبه لها عند اختيار طريقة التدريس ، أُجمل منها ما يلي : طبيعة المادة ، طبيعة التلاميذ والفروق الفردية بينهم ، المرحلة الدراسية ومستوى خبرات التلاميذ ، وضوح الهدف لدى التلاميذ ، ربط الدروس بالبيئة ، إثارة الدافعية لدى المتعلم ، المرونة في الطريقة ؛ فإذا اتصفت الطريقة بالجمود وسارت على وتيرة واحدة دون تعديل أو تكيف فقد آلت إلى الإخفاق ؛ ولذا يقال : إذا أردت أن يرسخ الدرس في أذهان الطلاب فاشرحه بطريقة غير مألوفة ! وطرق التدريس متنوعة إلا أن المعلمين في معاهدنا العلمية لا يستخدمون غالباً إلا الطريقة الإلقائية ، وهي مع جودتها في بعض الدروس إلا أنها ليست الطريقة المثلى [9] .
2 - المحتوى : وهو المادة العلمية التي تعرض لتحقيق الأهداف . وقد طغى المحتوى على كثير من المعلمين بَلْهَ المؤسسات التعليمية حتى نشأ ما يعرف بالتعليم الببغائي ROTE LEARNING الذي ينعكس سلباً على طريقة أداء الدارس وقدرته على ترتيب الأفكار والتعبير عن نفسه بمنطقية وإيجاز ، وكذلك قدرته على استدعاء المعلومات وقت الحاجة إليها ، كما تقلل فيه ملكات الإبداع والخيال والابتكار والتحليل وربط الأسباب بالنتائج[10] .
ويسعى منهج تكنولوجيا التعليم إلى الابتعاد عن العشوائية والمزاج الشخصي للمعلم في نقل المعارف ، بل يجب أن تخضع عملية نقل المعرفة لتحديد دقيق للمراد توصيله إلى الدارس ، وذلك من خلال الأهداف التي حددها المعلم مسبقاً . وحينئذٍ نعلم الارتباط الوثيق بين الأهداف السلوكية والمحتوى ( مادة التعلم ) .
وعند تصميم المحتوى لا بد من مراعاة أمرين مهمين :
الأول : التسلسل السهل والمنطقي والابتعاد عن القفزات التي لا يسهل استيعابها أو متابعتها من قِبَل الدارسين متوسطي الذكاء .
الثاني : مراعاة معدلات التعلم ( السرعة التي يتم بها تعلم المادة التعليمية ) .
3 - الوسائل التعليمية : وهي كل أنواع الوسائط التي تعين المعلم على توصيل المعلومات . ولا يختلف اثنان في أهمية الوسائل التعليمية ودورها في تفعيل الدروس ، ومن فوائدها ما يلي :
1 - تساعد على استثارة اهتمام الطلاب ، وتعزز الدافعية لدى المتعلم وتجعله أوفق مزاجاً للتعلم .
2 - إشباع حاجتهم للتعليم وزيادة خبراتهم .
3 - اشتراك جميع الحواس عند المتعلم يؤدي إلى ترسيخ وتعميق التعلم ؛ فالإنسان يتعلم عن طريق حواسه بالنسب الآتية : البصر 75% ، السمع 13% ، اللمس 6% ، الشم 3% ، الذوق 3% . وهذا ببساطة يعني أن عملية التعلم ترتفع إلى 88% عندما تشترك في ذلك حاستا السمع والبصر ، وبدخول أي حاسة ثالثة ترتفع النسبة إلى أكثر من 90% [11] .
4 - تساعد على ترتيب وتسلسل الأفكار لدى التلاميذ .
5 - زيادة قدرة الطالب التأملية ، وزيادة قدرته على الملاحظة .
وهناك عوامل عديدة ومتداخلة تؤثر في اختيار الوسيلة في أي عملية تعليم أو تعلم ، منها :
1 - الأهداف التعليمية المحددة ، وهي تؤثر بشكل مباشر في اختيار الوسيلة فإذا كان هدف الدرس : أن يذكر الطالب أعمال الحاج الأساسية في أيام التشريق ، فربما كان عرض شكل تخطيطي لهذه الأعمال أفضل من عرض فيلم وثائقي عن الحج .
2 - خصائص ومميزات الدارسين ، فإن العدد يعتبر عنصراً مهماً في اختيار الوسيلة ، وكذا نوعية الطلاب وأعمارهم ومستواهم الدراسي .
3 - موضوع الدرس ؛ ففي درس ( حكم موالاة مَنْ حادّ الله ورسوله ) لا تستطيع أن تجري تجربة عملية كما هو الحال في صفة الوضوء .
4 - التكلفة المالية ؛ فكلما كانت الوسيلة تحقق الهدف بتكلفة مالية قليلة كانت أنسب .
وتعتبر الوسائل البصرية ( خاصة السبورة ) من أفضل وأسهل الوسائل لتحقيق أكثر الأهداف ؛ ومع أهمية الوسائل التعليمية إلا أننا نلحظ على مدرسي معاهدنا العلمية عزوفاً عنها ، وذلك لأمور منها :
1 - الفهم الخاطئ لمعنى الوسيلة ، وأنها تعني استخدام الأجهزة التعليمية ( السبورة الضوئية Over-head Projector ، جهاز عرض المواد المعتمة Opaque Projector ، جهاز عرض الشرائح Slides Projector .. ) ومع أهمية استخدام هذه الأجهزة إلا أن الوسيلة التعليمية أعم من ذلك بكثير ؛ فقد يستخدم المعلم وسيلة تعليمية من الإمكانيات البيئية المحيطة به .
2 - اعتقاد أن استخدام الوسائل التعليمية في تدريس العلوم الشرعية يخالف منهج وطريقة السلف ، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم استخدم ما يسمى ( تقمص الأدوار ) ووسيلة تعليمية من الواقع كما في قصة الجدي الأسكِّ [12] ، واستخدم الرسوم التوضيحية كما في حديث ابن مسعود عن طول الأمل [13] . والواقع أن إمكانية استخدام الوسائل في العلوم الشرعية أقرب منها في غيرها من العلوم ؛ لأنها تمس الواقع ، وتحتاج إلى تطبيق مباشر .
3 - إحساس المعلم بأن العلوم الشرعية سهلة الفهم لا تحتاج إلى كبير إعداد أو وسائل تعليمية ، وينسى أن الوسيلة مهمة في ترسيخ الأهداف في نفس المتعلم .
4 - تكاسل المدرس وعدم اهتمامه بأداء الأمانة التي ألقيت على عاتقه ، وتأثره ببيئته والواقع التعليمي الحالي .
5 - عدم تأهيل معلمي معاهدنا العلمية ( في طرق التدريس وتكنولوجيا التعليم )، وكثير من خريجي الجامعات الإسلامية التي تؤهل المعلمين الأكفاء لا يشاهدون الأجهزة التعليمية إلا بعد تخرجهم ! ! وقد أوضحت دراسة متواضعة قمت بها على عدد من معلمي المواد الدينية في التعليم العام أن 90% من أفراد العينة لا يعرفون كيفية تشغيل تلك الأجهزة أو تشغيل أغلبها ! !
6 - عدم توفر الأجهزة التعليمية في كثير من معاهدنا التعليمية ؛ وذلك ربما يرجع إلى عدم الوعي الكامل بأهمية مثل هذه الأجهزة في العملية التعليمية [14] .
((وللحديث صلة))

======================
الهوامش:
(6) الحديث عن تكنولوجيا التعليم وأسسه مقتبس من كتاب الدكتور عبد الرحمن كدوك ، تكنولوجيا التعليم (الماهية والأسس والتطبيقات العملية) ، وفقه الله ، وما كان من سواه أشير إليه في حينه .
(7) لجنة التكنولوجيا التعليمية (الأمريكية) انظر : د كمال إسكندر ، د محمد غزاوي مقدمة في التكنولوجيا التعليمية ، ص 38 ، بعضهم يسميه : تقنية أو تقنيات التعليم ، ولا مشاحة في الاصطلاح.
(8) للتوسع ينظر مثلاً : د محمد بن أمين المفتي ، د حلمي بن أحمد الوكيل : أسس بناء المناهج وتنظيماتها ، 156 164 ، د إبراهيم بن محمد الشافعي ، د راشد الكثيري ، د سر الختم علي ، المنهج المدرسي من منظور جديد ، ص 166 177 .
(9) وللاستزادة حول طرق التدريس ينظر : التربية العملية وأسس طرق التدريس ، د إبراهيم عصمت مطاوع ، د واصف عزيز واصف ، ص 25 42 ، دليل المعلم ، ص 144 155 .
(10) كما هو الحال في معاهدنا العلمية ؛ فكثيراً ما ينصب اهتمام المعلم (أو الشيخ) على توضيح المادة العلمية التي في المقرر وشرحها بل والإضافة عليها بما يراه مفيداً ، وربما عمد بعضهم إلى تكثيف هذه الزيادات ليثبت لطلابه مقدرته على جمع المادة العلمية ليثقوا به ويستمروا عنده ! دون التفكير في كمية المعلومات المناسبة لطلابه ! ! أما الطلاب فأفضلهم هو الأسرع في الكتابة والتعليق و (التحشية) خلف المعلم ! ولو سألت واحداً منهم عن مسألة من مسائل المقرر لما زادك على قوله : فيها خلاف ! ! .
(11) لاحظ إهمال كثير من معاهدنا لهذه الحواس عند التعليم وتركيزها غالباً على حاسة السمع فقط ! ! .
(12) الإمام يحيى بن شرف النووي ، شرح صحيح مسلم ، 9/305 ، ح/ 2957 ، والأسك : صغير الأذنين و (تقمص الأدوار) طريقة تدريسية .
(13) فتح الباري ، ابن حجر العسقلاني ، 11/239 ، ح/ 6417 ، وانظر : المدرس ومهارات التدريس ، محمد الدويش ، 39 ، 40 .
(14) الوسائل التعليمية وتكنولوجيا التعليم ، د يس عبد الرحمن قنديل ، ص 21 ، وما بعدها .

الكــاتــب

ليست هناك تعليقات:

أسعد بمشاركتك برأي أو سؤال

جميع الحقوق محفوظة لــ مدونة الباقي