نحو تدريس فعّال.. نظرة إلى معاهدنا العلمية(*)
(الجزء الأول)
* أهمية المراجعة المستمرة لطرقنا ووسائلنا التعليمية والتربوية ، مع التنبيه على أن حديثنا عن هذه المعاهد المباركة ليس إلا نقداً للذات ومحاولة لتصحيح المسار .
* اعتماد كثير منها على التلقين مما أنتج طلاباً ضعيفي العزم غير قادرين على البحث والتحليل ، و « لن تستطيع مدارسنا وجامعاتنا فعل شيء ذا قيمة إلا إذا كفّت عن تلقين المعلومات » [2] .
* الفوضوية والعشوائية في طلب العلم ؛ فهذا يقرأ في شروح الألفية وهو لم يتقن الآجرومية ، وذاك يتدارس مباحث الطحاوية قبل المرور على كتاب التوحيد أو الواسطية .. وهكذا [3] .
* في زمن ضعفت فيه الهمة وكثرت فيه الملهيات يصرُّ المعلمون على التدريس بنفس الطريقة التي تعلموا بها دون مراعاة لاختلاف الزمان ، وتدني الهمم ؛ فمن الصور الشائعة لنا جميعاً : « قراءة المعلم خلف مكتب مائل أمام الفصل ، حيث يصل للطلاب صوت المعلم ، بينما يغط الطلاب أو بعضهم في نوم عميق ! ! » [4] .
ومما يزيد الطين بلة غفلة كثير منهم عن أهمية التنويع والتجديد في طرح وتدريس العلوم الشرعية أو عدم قناعتهم بذلك ، وزعمهم أن الحديث عن ( تقنيات التعليم ) وطرق التدريس ضرب من الهذيان والكلام الفارغ ، بل هو تقليد للكفار وإعجاب بهم ! ! فهؤلاء هم السلف حازوا العلم ونشروا العلوم ولم يقرءوا ما كتبه « رونتري » عن تكنولوجيا التعليم ، ولا ما كتبه « بلوم » عن الأهداف ؛ فنحن على خطاهم نسير وبهداهم نقتدي ! ! والجواب عن ذلك من عدة أوجه :
أولاً : أن الحكمة ضالة المؤمن ، وإذا كان في كلام القوم ما ينفعنا فلماذا لا نستفيد منه ؟
ثانياً : زماننا يختلف عن الزمان الذي عاشه أسلافنا ، بل المتتبع لأحوالهم يلحظ اختلافهم في طريقة تحصيل العلم [5] ؛ وهل قال أحد : إن ابن عباس رضي الله عنه ، و ابن حنبل ، و ابن حجر ، و ابن إبراهيم رحمة الله عليهم أجمعين طلبوا العلم بنفس الطريقة وبنفس الأسلوب ؟ ! ثم أين همم هؤلاء من همم أبنائنا ؟ !
ثالثاً : إن من تمام التبليغ أن ننشر العلم بصورة لا تخالف الشرع وتناسب روح العصر ، وهل من أداء الأمانة أن تدرَّس الرياضيات والفيزياء والأحياء ونحوها باستخدام أفضل الوسائل التعليمية مع توظيف أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا التعليم من بحوث ودراسات ، بينما نظل على الأسلوب التقليدي التلقيني ؟ أليس من المحزن أن تطل على الطلاب في درس العلم الشرعي فترى رءوسهم تخفق من النوم وقد علاهم الملل ، بينما تراهم بعدها شعلةً من النشاط مع مدرس الكيمياء ؟ ! ! إن كثيراً من المعلمين قد يفرِّط في أداء الأمانة بحجة اتباعه السلف ، والله الهادي إلى سواء السبيل .
رابعاً : على الرغم من أن أكثر الدراسات الأكاديمية في هذا الباب هي دراسات غربية إلا أن أغلبها مفيد ونافع ، بل كثير مما ذكروه إسلامي أصيل ؛ إلا أن السلف لم يفردوه في كتابة مستقلة ؛ فأنت لا تجد لهم حديثاً مفصلاً عن ( التخطيط الجيد لعرض الدروس ) ، أو التصريح بأهمية ( تحديد الأهداف ) أو ( التقويم ) ، لكنك تجد مفهوم ذلك وأكثر مبثوثاً في كتبهم . وما أحوجنا إلى دراسة متخصصة تجمع شتات هذا الموضوع ( تقنيات التعليم ) من كتب علمائنا وأئمتنا .
لذا كان لزاماً علينا أن نسعى لتفعيل دروسنا .لكن ما هو التدريس الفعّال ؟ !
قد تختلف الإجابات طولاً وقِصراً في تفصيل سمات الدرس الفعّال وذكر أبعاده ، لكن ما ينبغي علينا ألاَّ ننساه أثناء تشعبات الإجابة أن التعليم الفعّال هو التعليم الذي ينتج عنه تعلّم فعّال ! والتعلم الفعّال هو الذي تتوفر فيه السمات الآتية :
1 - أن تدوم آثاره ونتائجه ، بعد دخوله وجدان المتعلم .
2 - أن يستفيد منه المتعلم في حياته ، ويطبقه في أرض الواقع [6] .
العملية التعليمية تقوم على ثلاثة عناصر : معلم ، ومتعلم ، وتعليم . وفي هذا المقال سأحاول إلقاء الضوء على هذه العناصر مبيناً دورها في تفعيل الدروس ، مقارناً ذلك بما يعايشه طلابنا في معاهدنا العلمية ؛ ومع أنه ليس لديَّ إحصائيات دقيقة حول وضعها التعليمي إلا أن المنصف لن ينكر وجود شيء مما سأذكره إن شاء الله .
((وللحديث صلة))
=================
الهوامش:
(*) أصل هذه السلسلة مقال نُشِر في مجلة البيان العدد (166)
(1) أعني بمعاهدنا العلمية : مؤسساتنا التربوية والتعليمية كالجامعات الإسلامية والمؤسسات الدعوية مروراً بمدارس التعليم العام ، والمعاهد العلمية التابعة للجامعات الإسلامية ، ودروس المساجد والدورات العلمية المختلفة التي ينظمها علماء ودعاة الصحوة مع أن الحديث أحياناً قد يخص بعضها دون بعض .
(2) د عبد الكريم بكار ، القراءة المثمرة مفاهيم وآليات ، ص 20 .
(3) عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ ، برنامج علمي للمتفقهين ، ص 35 .
(4) مارشال ج كوك ، التدريب الفعال ، ترجمة بيت الأفكار الدولية ، ص 15 .
(5) المقصود في الاختلاف : الاختلاف الفني إن صح التعبير لا اختلاف المنهج ؛ فطريقتهم جميعاً في طلب العلم هي النظر فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم والاستدلال بأدلته والعمل بموجبها كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية و الشاطبي وغيرهما (انظر : جمال بن أحمد بن بشير باذي ، وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق ، ص 258) .
(6) التربية العملية وأسس طرق التدريس ، ص 9 ، د إبراهيم عصمت مطاوع ، د واصف عزيز واصف ، المعلم الفاعل والتدريس الفعْال ، محمد عبد الرحيم عدس ، ص 36 ، 37 .
ليست هناك تعليقات:
أسعد بمشاركتك برأي أو سؤال