مساحة اعلانية

موضوع عشوائي

آخر المواضيع

المثقف



أمالي الزنيدي.. في الثقافة الإسلامية((3))*

من هو المثقف؟
ثمة مفهوم يقوم بالذهن عندما تطلق هذه اللفظة..
إن أي إنسان له نصيب من الثقافة! أيا كان مقدار ما يحمل من تصورات عن العناصر الثلاث، فكل إنسان لديه تصورات عن الوجود وعن ذاته ويتمثل مجموعة من القيم ولديه نظم لحياته فيكون لديه ثقافة! لكن لا يُسمى (مثَقَّفاً) إلا إذا حمل من المعرفة بهذه العناصر ما يتجاوز مستوى العامة.. والقضية نسبية..

أما المثقف كمصطلح يُطلَق على فئةٍ معينةٍ من الناس لها دورٌ فاعلٌ في المجتمع يطمح أن يكون ريادياً .. فهناك العديد من التوصيفات :

  • بعض الذين عالجوا هذه القضية بحثوا متى برزت هذه اللفظة.. فقد ذكر الجابري في كتابه ”المثقفون والحضارة العربية” أن هذا المصطلح أول ما ظهر في فرنسا في منتصف القرن الخامس عشر عندما كتب أساتذة الجامعة بياناً أسموه (بيان المثقفين!) فعرّفوا المثقف بأنه: (الأكاديمي الذي اخترق أسوار جامعته ليتفاعل مع مجتمعه).
  • تعريف آخر: المثقف هو الذي يسعى لصياغة ضمير مجتمعه ليتجه اتجاهاً راشداً.
  • تعريف (بندل): المثقف شخص يترفع عن الانسحاق للشهوة، لكنه ليس عاجياً! إنه يعيش الواقع وينتقده ليرتقي به نحو الفضيلة.
  • تعريف (إدوارد سعيد): المثقف فردٌ وُهِب قُدرَةً لتقديم وتبيين رسالة أو رؤية أو موقف إلى جمهور، ولأجل هذا الجمهور.
  • تعريف (برهان غليون): هو الذي يجعل من التفكير في واقع مجتمعه أو أمَّته ومصالحه العامة أحد همومه الرئيسة ويشارك في الصراع الاجتماعي والسياسي من أجل دفع هذا الواقع نحو الأفضل.
  • تعريف (هشام شرابي): للمثقف خاصيتان هما: الوعي الاجتماعي الذي يُمَكِّن الفرد من رؤية المجتمع وقضاياه من زاوية شاملة وتحليل القضايا على مستوى نظري متماسك، والثانية: الدور الاجتماعي ، وهو النشاط الذي يؤديه صاحب الوعي الاجتماعي بكفاية وقدرة.
للاطلاع على مزيد من التعريفات للمثقف يرجع لكتاب (الانتلجنسي العربية)

التعريف النموذجي:
إن الشخص لا يكون مثقَّفاً إلا بتوافر عناصر أربعة فيه:
1) الصنعة الفكرية:
بمعنى أن تكون الأولوية لدى هذا الشخص هي للتفكير والتخطيط النظري.. فالمُرتجِل يفتقد هذه الخاصية! .. ولابد أن يرتقي التفكير هنا إلى درجة الاجتهاد والإبداع لا مجرد التقليد واستهلاك أفكار الآخرين..
ولعل هذه أكبر عُقَد المثقَّف العربي المعاصر.. فمشكلته الكبرى أنه مثقف مقلِّد! ينقل تجربةً من حضارة إلى أخرى دون أن يمارس الاجتهاد والإبداع في موضَعتِها لهذه البيئة.

2) التكيف الشخصي بالمستوى الفكري:
بأن يكون هذا الشخص منفعلاً بما يحمله، فيكون سمته وتعامله ومواقفه قائمة على هذا المستوى الفكري الذي يحمله .. مع التنبيه هنا أن هذا التفاعل مرتبط بدائرة التأثير اتساعاً وضيقاً.
3) الواقعية الاجتماعية: ( أو الدور الاجتماعي كما يسميه هشام شرابي)
والمقصود هنا أن يصبح المجتمع هو ميدان حركة المثقف بأن يكون مرتبطاً بالساحة الاجتماعية من خلال ثلاث قنوات:
  1. التصور الصحيح للواقع الاجتماعي. فيبني تصوراً صحيحاً عميقاً متماسكاً عن هذا الواقع بأبعاده الاجتماعية التاريخية.
  2. ‌امتلاك مذهبية** يمكن من خلالها صياغة المجتمع صياغة حضارية، أي أن تكون هذه المذهبية قادرة على النهوض الحضاري.
  3. ‌الجهد التغييري في هذا الواقع ، وهي (الفاعلية) كما يسميها مالك بن نبي ، التي تنقل هذا الواقع إلى واقع أفضل، أو (النضال) كما يسميها الشيوعيون.
4) النـزعة النقدية:
بمعنى أن يكون المثقف ناقداً لما يتعاطاه سواء في مجتمعه أو مما يتلقاه من أفكار تراثية أو حضارية.
والنقد المقصود هو النقد بمفهومه العام، أي: الفحص والفرز، وليس النقد السلبي.

حدود النقد:

هل للنقد حدود أو أنه مطلق؟
أغلب المثقفين الغربيين ومعهم عامة المثقفين العرب يرون أن النقد لا حدود له، وأن أي قيد يوضع على النقد معناه قتل الإبداع في الثقافة، ويؤكدون ذلك بأن ثقافة الأنوار في أوربا ما استطاعت أن تبني نهضتها إلا بالحرية المطلقة للنقد الثقافي، وذلك عندما ركزت نقدها على المقدس الديني (الكنيسة، القس، كتب الكنيسة..) وطالما فتح المجال للنقد تجاه المقدَّس الديني فالمساحات الأخرى من باب أولى كالسياسة والتجارة وغيرها ..
ولهذا جاءت في الدوائر الثقافية فكرة ”استقلال المثقف”! وكلمة (مستقل) بمفهومها الثقافي تعني أنه مفكر ناقد – بشكل مطلق – لكل شيء! أو بمعنى أنه مضاد لكل شيء!!. وهذا ما ألجأ بعض المثقفين إلى العزلة لأن الكل يرفضه وربما يسخر من طرحه إذا طرح، فليس أمامه إلا الهروب.

في الإسلام تدخُل قضية النقد في دائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة، فالنقد في الإسلام محدد منطلقاً وهدفاً..
منطلقاً: بالكتاب والسنة.
وهدفاً: بالحق والمصلحة.
فلابد أن يكون النقد حقاً وأن يحقق مصلحة، فإذا حقق مفسدة فإنه يتغير من كونه مشروعاً إلى كونه ممنوعاً.


مصطلح ”النخبة المثقفة”
المقصود بالنخبة: مجموعة من المثقفين يمثلون طليعة الأمة، ويمتلكون موقع الريادة الفكرية بالدرجة الأولى، والبقية (المعلمون، الصحفيون..) أتباع لهؤلاء النخبة.
والغالب أن في المجتمع أكثر من نخبة، فالنخبة من هذه النُّخَب هي: قيادات فكرية ريادية تنـزع منـزعاً متقاربَ الاتجاه وإن اختلفت في التفاصيل وتسمى عندنا ”تيارات” مثالها: القوميون،اليساريون، الماركسيون، الإسلاميون..

قراءة واقعية للمثقف العربي ومدى تحقيقه لهذا الاسم:
ما سبق كان هو الجانب النظري للموضوع، وسنتحول الآن إلى واقعنا العربي لننظر إلى مَن يُسَمَّون بالمثقفين فيه: ما مدى وفائهم لعناصر شخصية المثقف؟ وما مدى استحقاقهم لتبوء هذا المنصب؟ وماذا قدموا للأمة؟

تحديداً معرفياً سنقسم المثقفين العرب إلى نخبتين كبيرتين:
1) النخبة العصرانية بمشتملاتها (اليساريين، والماركسيين، والقوميين، والناصريين، واليسار الإسلامي)
2) الإسلاميون بأجنحتهم المتعددة.

وللحديث صلة..
==========
(*) هذه الصفحات تلخيصٌ مقارب لأمالي البرفسور الشيخ عبدالرحمن الزنيدي حفظه الله حول الثقافة: مفهومها، وأسسها، وواقعها بين المثقفين العصرانيين والإسلاميين. وقد ساهم معي في إخراج هذا العمل مجموعة من الزملاء وهم: عبدالرحمن آل خلف، ودعفس الدعفس، وإبراهيم الفوزان.. شكر الله لهم جهودهم وعطاءهم. أسأل الله تعالى أن ينفع الجميع بهذه الأمالي: ممليها ومن ساهم في جمعها وكاتبها وقارئها.
(**) المذهبية: هي منظومة المفاهيم التي تقدم للإنسان تصورا عن الكون والحياة والقيم.

الكــاتــب

ليست هناك تعليقات:

أسعد بمشاركتك برأي أو سؤال

جميع الحقوق محفوظة لــ مدونة الباقي