أمالي الزنيدي.. في الثقافة الإسلامية((4))*
العصرانية:
تتكون كلمة (العصرانية) من: (عصر) و (ألِف ونون) للمبالغة و(ياء) النسبة و(تاء) التأنيث.
فالعصرانية نسبة إلى العصر وهو الزمن..
فهذه النخبة منسوبة إلى العصر خلافاً للمعتاد! فالأصل أن يُنسَب العصرُ إلى الفئة، فتقول: عصرُ الأمويين، عصر العباسيين..
والمقصود بالنسبة للفئة هنا هو (الانفعال بالعصر) أي بما في العصر من أوضاع ثقافية وأحوال اجتماعية ونحوها. فالشخص يُسمى عصرانياً إذا كان منفعلاً بعصره، والفكرةُ تسمى عصرانية إذا كانت منفعلة بعصرها.. فالفلاسفة في وقتهم كانوا عصرانيين لأنهم انفعلوا بالحضارة اليونانية التي وجدت في عصرهم.
فالنخبة العصرانية هي: النخبة المنفعلة بالعصر الحاضر، والعصر يموج بمعطيات مختلفة لأمم متنوعة، فثمة معطيات صينية وأخرى هندية وأخرى يابانية.. لكننا نقصد تحديداً (المعطيات الغربية)، فالعصرانية منفعلة بما في العصر ، وما في العصر هو ما عند الغرب حصراً.. وسببُ هذا الحصر أنَّ الفعل الحاضر إنما هو لهم على مستوى الأمم، أي أن الغرب هو المركز والعالَم - بما فيه العالم الإسلامي - هو الهامش والأطراف..
بناء على هذا كله يكون تعريفنا للعصرانية أنها:
الانفعال بالمعطيات الاجتماعية والفكرية للحضارة الغربية في مؤسساتها ونظمها ومناهجها الفكرية ومدارسها الأدبية والفنية، وربط الإنسان والمجتمع بها بحيث تكون لهذه المعطيات السبق على الثوابت.
والعصرانيون هم:
الذين يقودون مجتمعاتهم نحو هذا الانفعال ولو على حساب المسلمات الدينية.
والمقصود بالانفعال هنا الانفعال السلبي الذي هو نوع انمساخ، أما الذي ينفعل مع العصر انفعالاً يستثمر فيه منجزاته في ضوء قيمه الذاتية فهو انفعال محمود، يسميه (السيد شاه) ”عصرية”.. ونحن الذي يعنينا الانفعال غير المقبول وهو ما نسميه ”عصرانية”.
ولا نستهدف هنا إعطاء حكم شرعي، وإنما هو تصنيف معرفي بحت للتعرف على هؤلاء وعلى دورهم فقط.. ومن الصعب الدخول في تحريرات هؤلاء وتحليلها، وإنما المقصود الإشارة إلى واقعهم..
العصرانيون في الميزان:
ماذا عن هؤلاء العرب المثقفين من حيث ثقافة هذه الفئة، ماذا أعطت وماذا قدمت؟ ماذا صنعت لأمتها؟
لهؤلاء المثقفين جوانب إيجابية، فلهم خدمات من أبرزها:
- بعث جوانب من التراث العربي (خاصة القوميون)
- إحياء اللغة العربية من خلال بعث معاجمها وإنشاء مجامعها ونشر موسوعاتها. (القوميون واليساريون).
- إدخال أنماط المعرفة الحديثة للمجتمعات العربية.
- تأسيس المدارس الحديثة والجامعات.
- إنشاء النوادي الاجتماعية.
- تكوين الأحزاب المناهضة للاستعمار.
العصرانيون ومصطلح الثقافة:
لقد طرد العصرانيون الإسلامَ من دائرة الثقافة طرداً! فشكلوا شلة تتمثل فيها الثقافة وقالوا بأن الإسلامي خارج دائرة الثقافة لأن الثقافة إبداع والإسلامي مجترٌ لتراثه!!. ومتقوقع فيه!!. وقد احتكر الشيوعيون مصطلح الثقافة لهم فترة من الزمن ..
وأحياناً يسمِّي العصرانيون الإسلامي مثقفا لكنهم يردفونها بكلمة ”تقليدي” أو ”سلفي”!.
ما هي حقيقتهم؟
الحقيقة أليمة.. وهي أسوأ ما يكون!.. يشهد بها واقع الأمة.. ذلك الواقع الأليم الذي يشهدون هم بأنفسهم ويشهد غيرهم بمرارته..
أورثوا الأمة ما تعيشه الآن من تخبط وضياع وتيه وتفكك..
وحالها أسوأ مما كانت عليه حينما امتلكوا وأمسكوا بزمامها..
والحقيقة أنهم تكشفوا عن (نمور من ورق) فهم أشبه بمرتزقة لبسوا لباس نمور.. لباس حماة أمن.. والحقيقة أنهم أعداء للأمة ..
الحقيقة أنهم لم يتهيأ لهم من عناصر المثقف ما يؤهلهم لما تبوءوه: لا الوعي الفكري ولا الإبداع ولا الواقعية الاجتماعية..
فأي وعي فكري لدى من يستنبتون البذور في غير منابتها(**)؟ وأي إبداع أو حتى وعي لدى أناس أقصى ما يقال فيهم هو ”الببغائية العمياء” التي صدَّرها أحد أساتذتهم الذي أشرف على كثير من رسائلهم وقدَّم كثيراً من كتبهم المستشرق الفرنسي (جانبلون كارتر) زعيم الوجودية وقد كانت كتبه تطبع بالعربية قبل أن تخرج طبعتها الفرنسية!. يقول في كتاب قدّمه لأحد الكتاب الأفارقة: (كنا نصيح من أمستردام أو برلين أو باريس فيرتد علينا صوتنا في أفريقيا والشرق الأوسط.. كنا نقول:ليحل المذهب الإنساني أو دين الإنسانية محل الأديان السماوية.. وكانوا يرددون أصواتنا من أفواههم وحين نصمت يصمتون إلا أننا كنا واثقين أن هؤلاء المغتربين لا يستطيعون قول كلمة واحدة غير ما وضعناها في أفواههم!)
ينقدون الإسلامي أنه مجتر لثقافته! وهم في الحقيقة يجترون تراث أمة غير أمتهم!!.
========
(*)هذه الصفحات تلخيصٌ مقارب لأمالي البرفسور الشيخ عبدالرحمن الزنيدي حفظه الله حول الثقافة: مفهومها، وأسسها، وواقعها بين المثقفين العصرانيين والإسلاميين. وقد ساهم معي في إخراج هذا العمل مجموعة من الزملاء وهم: عبدالرحمن آل خلف، ودعفس الدعفس، وإبراهيم الفوزان.. شكر الله لهم جهودهم وعطاءهم. أسأل الله تعالى أن ينفع الجميع بهذه الأمالي: ممليها ومن ساهم في جمعها وكاتبها وقارئها.
(**) العبارة لمحمد حسين هيكل يقول: كنا نستنبت البذور في غير منابتها..
(**) العبارة لمحمد حسين هيكل يقول: كنا نستنبت البذور في غير منابتها..
ما هي مصادر النخب المثقفة الإسلامية المعاصرة ؟
ردحذف