مساحة اعلانية

موضوع عشوائي

آخر المواضيع

مواقف الناس من مشروع (التأصيل الإسلامي)*

التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية ((4))
د. محمد عز الدين توفيق

يمكننا إجمال مواقف الناس من مشروع التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية عامة - ولعلم النفس خاصة - على ثلاثة أنواع:
  1. موقف الرفض باسم الإسلام.
  2. موقف الرفض باسم علم النفس.
  3. القبول بالمشروع والعمل على تنفيذه.

الموقف الأول: الرفض باسم الإسلام
وهذه الفئة وصفهم د.محمد عز الدين توفيق أنهم أولئك الذين لم يدرسوا علم النفس دراسة متخصصة، ولم تسمح لهم ثقافتهم أن يحيطوا بموضوعاته، أو أنهم الذين نظروا في بعض النظريات التي تبنتها بعض مدارس علم النفس ورأوا آثارها السلبية على الشباب بل وعلى المتخصصين فذهبوا إلى انتقاده ورفضه.. فنظرتهم نظرة إجمالية لم تدخل في تفصيلات هذه العلوم.
فؤاد أبو حطب أورد انتقاداتهم لعلم النفس:
  1. التشكيك في علمية علم النفس.
  2. اتهموا علم النفس بأنه مادي.
  3. اتهموا علم النفس -وكذلك التربية - أنه يبني مقولاته على حيوانية الإنسان.
  4. يربطون بين علم النفس وبين نظرية التحليل النفسي (نظرية فرويد) ، ويقول الدكتور عبدالعزيز المحيميد هنا إن سبب اللبس هو مشروع الترجمة، لأن جُلّ الكتب المترجمة كانت لهذه المدرسة (مدرسة التحليل النفسي).
  5. قالوا: إن علم النفس يركز على الجانب المرضي..ويقال فيها كما قيل في السابق.. ويقال أيضاً أن هذا كان في السابق قبل أن يتطور هذا العلم..
  6. سُوء استخدام علم النفس.. ورد عليه بأن كل العلوم يمكن أن يُساء استخدامها.
  7. اتهموا علم النفس بأنه علم نفس الإنسان الأبيض (الغربي) .. ويُرَد عليه بأن أي حضارة تؤثر على منتجاتها
الرد عليهم:
  • يقول توفيق: أن الاتهامات في الغالب ليست مركزة على العلم نفسه ولكن على استخداماته السيئة، أو بعض تطبيقاته، أو بعض النظريات التي تبنتها بعض مدارسه وكل هذا لا ينهض مستنداً لرفض علم النفس.
  • ثم يقول: إن الذين وجهوا هذه الانتقادات لم يكونوا جميعاً يقصدون رفضه كعلم، وضرب لذلك مثالاً: كتابَ محمد قطب (التطور والثبات في حياة البشر) حيث ذكر في فصل (اليهود الثلاثة) أنَّ هناك جهات تحرص على أن تتصدر نظريات فرويد علم النفس، وتتصدر نظريات دركايم علم الاجتماع، وتتصدر نظريات ماركس علم الاقتصاد، ويصعب أن نستنتج من هذا أن الأستاذ يهاجم علم النفس كعلم.. قال الدكتور المحيميد تعليقاً على كلام توفيق: "وقد كُتِب الكتاب عندما كانت الاشتراكية تهدد مجتمعاتنا وكان ثمة تسويق نشيط لهؤلاء الثلاثة.. أما ماركس فقد أبعد عن الساحة بعد سقوط الاشتراكية ، وأما فرويد فقد خرَّج أجيال من مدرسته (مدرسة التحليليين) اختلفوا عنه كثيراً مع وجود الانحراف فيهم" أهـ.

ثم يُبيِّن توفيق خطأ هذا الاتجاه من أربعة أوجه:

1)إن الإسلام لا يُنصر بإنكار هذه العلوم جملة من غير تفصيل:
فعلم النفس له أصل في الشريعة، فقد وجهنا الله أن نتأمل في أنفسنا قال تعالى : (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الذاريات21] .ثم يَستشهِد بموقف العلماء قديما من ترجمة كتب الفلسفة، ويقول: إن الفكر الإسلامي مَرّ بمرحلة مماثلة تجاه ترجمة كتب الفلاسفة وعلم الفلسفة وقد كانت هناك مواقف متباينة بين الرفض جملة وبين القبول جملة وبين القبول مع التمحيص، وكان الموقف الذي صمد هو الموقف الذي لم يعتمد التحريم المطلق ولا القبول المطلق، وإنما يعتمد التمييز والتمحيص.. فأبو حامد الغزالي مَرّ بالفلسفة على مرحلتين الأولى: التبحر فيها وكتب حينها (مقاصد الفلاسفة) ، ثم كرّ عليهم بكتابه (تهافت الفلاسفة) ويُذكَر له أقوال في الموقف من هذه العلوم.. وشيخ الإسلام ابن تيمية سلك مسلك الرد فيما يتعلق بالمنطق وألّف (نقض المنطق) وقال عن المنطق: (لا يحتاجه الذكي ولا ينتفع به البليد!) وفي كتاب (درء تعارض العقل والنقل) بحث في قضايا فلسفية عميقة، وفيه جزء كامل عن الفطرة ، وتكلم عن أبي البركات وأسماه (فيلسوف الإسلام) .
يقول أبوحامد الغزالي: الفلسفة كانت مظلة تنضوي تحتها الكثير من العلوم وقسَّمها إلى ستة أقسام: رياضية، ومنطقية، وطبيعية، وإلهية (الاعتقاد والوجود..) ، وسياسية ( ويدخل فيها مباحث تربوية! ولابن الجزار القيرواني كتاب باسم: سياسة تدبير الصبيان)، وخُلُقية (علم الأخلاق) . فالثلاث الأولى منها: علومٌ حيادية يُبـَرهنُ عليها بالبرهان، والثلاثة الأخرى فيها أباطيل كثيرة.. ثم ذكر آفتين تعرُض لمن اطلع على مقالات الفلاسفة:
فالآفة الأولى: فيمن يطلع على الأقسام الثلاثة الأولى فيفتتن بها ويُجري الحكم على كل مباحث الفلسفة، ويحسب أن جميع علومهم في الوضوح ووثاقة البرهان كهذا العلم. ثم يسمع الكلام عن كفرهم وتعطيلهم وتهاونهم بالشرع فيقول لو كان الدين حقاً لما اختفى على هؤلاء.. يقول توفيق: نظير هذا من ينظر في العلوم المعاصرة فيفتتن بما جاء فيها ويعممه على كل مافي هذه العلوم.
ثم يقول الغزالي: الآفة الثانية نشأت من صديق للإسلام جاهلٍ ظنَّ أن الدين ينبغي أن يُنصَر بإنكار كل منسوب إليهم (يعني الفلاسفة) فأنكر جميع علومهم وادعى جهلهم فيها حتى أنكر قولهم في الكسوف والخسوف وزعم أن ما قالوه مخالف للشرع ، فلمّا قرع ذلك سَمْع مَن عرف ذلك بالبرهان القاطع، لم يشك في برهانه لكن اعتقد أن الإسلام مبني على الجهل وإنكار البرهان القاطع ، فازداد للفلسفة حباً وللإسلام بغضاً..وأن العاقل يعرف الحق ثم ينظر في نفس القول ، ولا يرد الحق بسبب قائله.. ويشبِّه هذا بأن الذهب يؤخذ من التبر (التراب) والإبريز الخالص ينـزع من عدد كبير من الأسلاك ويستخرج.. قال : وينبغي أن يمنع من ساحل البحر الأخرق دون السباح الماهر، واقترح الغزالي زجر الكافّة عن الخوض في هذه العلوم. (انتهى كلام الغزالي بتصرف كبير، ومابين الأقواس من إضافات د.المحيميد)

2) ثم يقال في الرد عليهم أن الإسلام لم يحضر على أمته أن تطلع على كافة العلوم
ويقال إن الدين يسلِّح أتباعه بمنهج قويم ، وذكر توفيق على ذلك مثالين:
  • بعد غزوة بدر استفاد المسلمون من المشركين في تعليم أبنائهم القراءة والكتابة والحساب مقابل الفداء. لأن هذه العلوم محايدة.
  • ما رواه الإمام أحمد في المسند أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب فقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فقال: ( أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني) والعلم هنا يختلف عن الأول فليس محايداً بل فيه خطورة، ومثل ذلك الموضوعات المتحيزة في العلوم الإنسانية مثل آراء (دوركاين) في علم الاجتماع فهو يُنكِر الفطرة، وكذا آراء (دارون) و(فرويد).
3) ويقال أيضا : إن هذه العلوم الإنسانية فرضت نفسها في الميادين العلمية والاجتماعية، ولم يعد الخيار بين قبولها أو رفضها، فالخيار بين قبولها كما هي، أو قبولها بعد المراجعة والتمحيص.

4) ويقال أيضا: أن هناك أعدادا كبيرة من المشتغلين بهذه العلوم من المسلمين، ولاسبيل لردهم عن الخوض فيها ، أما إذا كان الرفض لنظريات وآراء محددة في هذه العلوم كان بالإمكان إقناعهم.
ويمكن تقسيم هذه العلوم إلى :
  1. معلومات تتعارض مع الإسلام فترد.
  2. معلومات صحيحة بنفسها لكن المسلمون مستغنون عنها بما عندهم.
  3. معلومات صحيحة لكنها تحتاج إلى تمحيص وإعادة صياغة.
الموقف الثاني: الرفض باسم علم النفس.
المتخصصون أنفسهم في هذه العلوم يرفضون التأصيل لها، ويقولون : نريد هذه العلوم كما هي! وقد كانوا في السابق أقوى رفضاً ، وبدأوا يتنازلون الآن.. ولعل السبب في رفضهم للمشروع أنهم درسوا في بلاد الغرب، والمنهج العلمي الغربي يستبعد الدين بل يعاديه.. ويصفهم ”إسماعيل فاروقي” مؤسس المعهد العالمي للفكر الإسلامي بأنهم مئات الآلاف من حملة الماجستير والدكتوراه في الغرب، وقليل منهم الذي يحس بهذه المشكلة ، وبعضهم قد مرّ بعملية تامة لغسيل المخ حتى إنهم أصبحوا أعداء أشداء ضد إضفاء هذه الصفة الإسلامية لهذه العلوم ، وعلى أحسن أحوالهم صاروا لا يبالون بهذا الموضوع.. وبعضهم خلفيته الشرعية قليلة، وأيضا حماسه للدين قليل، فلا يتحمس لمثل هذه الدعوة.
وهذه إشارة إلى بعض أقوالهم:
  • د. زكي نجيب محمود كتب مقالاً في جريدة الأهرام يدور حول الموضوعية بوصفها الميزة المشتركة للعلوم وأن المنهج الذي يراه في دراسة هذه العلوم هو المنهج التجريبي المعروف عند الغرب، فالباحث المسلم – كما يرى – عندما يدرس الظاهرة النفسية بمنهج تجريبي معروف الخطوات فهو يدرسها بوصفه باحثاً لا بوصفه مسلماً! ويقول زكي لحسن الشرقاوي: "اسمع يا حسن أنا متصوف أكثر منك لكني عندما أتصوف أدخل إلى غرفة وعندما أفكر أدخل إلى الغرفة الأخرى!".
  • يقول د.السيد محمد البدوي: مصطلح الأسلمة يخلط خلطاً مقصوداً لبلبلة العقول بين ما يتصل بالعلم وما يتصل بالدين! وإلا فلماذا لا نسمع عن حركات مماثلة نحو تمسيح العلوم أوتهويد العلوم أو تبويذ العلوم!!.. ثم يقول: إن العقائد تعد بالمئات ولكن مناهج العلم واحدة ويجب أن تكون واحدة! فهناك المنهج التجريبي والمنهج الاستقرائي والمنهج الإحصائي.. واستخدام العالم المسلم لواحد من هذه المناهج لا يختلف بل لا يصح أن يختلف عن استخدام العالم المسيحي، وإلا فسَدَت موضوعية المنهج وفسدت نتائج البحث تبعاً لذلك.
ويعلق الدكتور توفيق على هذين المنقولين فيقول:
  • إن المفهوم الذي يعطيه الكاتبان للموضوعية يستند إلى فهم ساذج للعلم ، وهو أن العلم عندهم هو المنهج (افتراض فروض ثم اختبارها واستخلاص النتائج..) ويقول: هذه خطوات الوصول إلى العلم وليست العلم ، بل العلم هو تأويل وتفسير تلك التجارب والوقائع المتراكمة، ويؤكد أن علماء النفس الغربيين تراجعوا عن اعتقادهم إمكانية تعميم نموذج العلوم الطبيعية (الفيزياء خاصة) على بقية العلوم الإنسانية لمّا تأكدت الفروق بين الظاهرتين الطبيعية والإنسانية.
  • وإن الحياد الذي يعتقدانه مجرد وهم! باعتراف علماء الغرب أنفسهم فهذا روبرت مرتون يقول: "إن العالِم ليس حراً تماماً، فهو محاصر بقيم تم استدماجها في ضميره العلمي.." وهذا هو البرفسور ساراسون يؤكد أن البيئة ثؤثر في نظريات علم النفس ويقول: "إن تأثير الجوانب الاجتماعية الحضارية في مادة علم النفس ونظرياته أصبحت جزءاً منه لا يقل عن تأثير الهواء المحيط بنا ودخوله في دمنا.. وكما علمتنا التجارب أن الهواء قد يصبح ملوثاً ويضر بصحتنا، فعلى عالِم النفس أن يتعلم أن البيئة الاجتماعية والحضارية التي يتغذى منها قد تحتوي على عوامل تضر بصحته وتطوره"، ويقول رينيه بوفرس: "إن أزمة العلوم الإنسانية مرتبطة بالدرجة الأولى بالنسبية التي زعزعت في علم النفس وعلم الاجتماع ادعاءهما للمعرفة.. باختصار: يخشى أن تكون العلوم الإنسانية غير واعية لتبعيتها إزاء الحياة التي تدعي مراقبتها! وبالتالي غير واعية لنسبية النظرة التي تتمتع بها".

ثم يلخص حججهم في أربعة أمور:
  1. قالوا: تدخُّل الدين في هذه العلوم تدخل إيدلوجي في مجال علمي بحت.. قال توفيق: الإسلام إذا دخل فيها رفع عنها التسلط الإيدلوجي الكنسي، فالإسلام يقدِّم إطاراً للعلم ويراعي تطوره في هذا الإطار.
  2. قالوا: إن العلم يصحح نفسه بنفسه، ولا حاجة به إلى تدخل الدين. ونقول: إن هذه العلوم مبنية على مفاهيم خاطئة تحتاج إلى تصحيح، فمفهوم العلم ومفهوم الإنسان فيها بحاجة إلى تصحيح! وعندما تكون الأبحاث منطلقة من هذين المفهومين الخاطئين فكيف يصحح نفسه بنفسه؟ ولنفرض أن العلم سيقف في يوم من الأيام على هذه النظرة الجديدة الصحيحة كم سنحتاج من مدة لانتظار ذلك؟ ولماذا ننتظر ونحن نملك هذه النظرة الآن؟! وكانت تؤطر بحثنا العلمي لعدة قرون مضت.
  3. قالوا: إن العلم يجب أن نأخذه في آخر تطوره كما في البلاد المتقدمة. ونقول: لا تعارض بين مواكبة تطور هذا العلم عند الغرب، وبين تأصيل منهج سليم لذلك ، ولإنجاز البديل الإسلامي لابد من خطوتين رئيسيتين: خطوة الاطلاع ، وخطوة الإبداع.4) قالوا: إن العلم له طبيعة محايدة. وقد ذكرنا أن هذا لا ينطبق على العلوم الإنسانية باعتراف العلماء الغربيين أنفسهم. وأيضاً هم لا ينفون أن هذه العلوم متأثرة بالفلسفة ولم تتخلص منها، بل إن الاعتقاد في كفاية المعلومات المخبرية في تركيب نظرية شاملة عن السلوك هو نفسه فلسفة!. ومن الأمثلة على تحيز هذه العلوم وأنها تتأثر بالفلسفة السائدة في الحضارة التي تنشأ فيها: مدارس علم النفس المختلفة، فهناك المدرسة الأشراطية السوفيتية وأبوها (بافلوف) خرج بمبادئ في السلوك تبناها وصار لها جذور في الاتحاد السوفيتي، أما في أميركا فالوضع يختلف، وفي أوربا نجد المدرسة التحليلية.. فهذه مدارس مختلفة لهذا العلم بحسب البيئة الاجتماعية التي هي فيها. يقول جوليان رور: "كان علم النفس الأمريكي يركز على ”الاختبارات النفسية” حتى غدا تطويرها مظهراً من مظاهر علم النفس الأمريكي، فلما جاء – أثناء الحرب العالمية- عدد من الأوربيين المنتمين إلى التحليل النفسي بدأ التأكيد على الشخصية والتقليل من التأكيد على اختبارات الذكاء وأوجه النقص العقلي والقدرات".. وختاماً فنحن لا ننفي أيضاً وجود أبحاث محايدة.

الموقف الثالث: قبول مشروع التأصيل والعمل على تحقيقه
ذكر توفيق أن المرحلة التي تمر بها الأمة الإسلامية تتطلب هذا الموقف بإلحاح .. ولابد من التمييز بين هذين الموقفين المختلفين.. والخروج بموقف يدعو إلى ”جمركة” ما يستورد للمجتمع الإسلامي للتمييز بين ما يمكن أخذه وما يجب تركه. وذكر أن تطور علم النفس خلال السنوات الخمسين الماضية يعكس التطورات السياسية والعلمية الكبرى التي نبهت إلى الطابع الثقافي لهذا العلم، وما سيْطرة علم النفس الأمريكي وسيطرة اللغة الإنجليزية على الكتابة فيه إلا أكبر دليل على ذلك.. وقد كان الوعي بهذه الخاصية الثقافية للعلم عامة، ولعلم النفس خاصة هو السبب في ظهور نزعة التحرر من التبعية (للصيغ) الأمريكية والنمط الأمريكي في البحث والتفكير والسلوك والحياة.وضرب أمثلة لدول وكيانات سعت لدراسة علم النفس من أجل التغيير: إسرائيل، والكنائس النصرانية، والشيوعية، فهذه الدول وظَّفت هذه العلوم لخدمة أهدافها ، فلماذا يُستكثَر على المسلمين تأصيل هذه العلوم تأصيلاً إسلامياً؟!
توظيف اليهود لهذه العلوم:
إسرائيل دولة تقوم على بعث اللغة العبرية، وقد حاولوا أن يوظفوا هذه العلوم في تثبيت هوية اليهود وطمس الهوية العربية والإسلامية للشعب الفلسطيني، بل حتى للشعوب العربية خارج فلسطين، وهم يحرصون على جعل هذه العلوم علوماً يهودية.
يذكر الدكتور عبدالحليم محمود أمثلة لمراكز البحوث اليهودية للعلوم الإنسانية التي تسعى لتحقيق هذا الهدف منذ الثلاثينات من القرن الماضي كمركز (بحوث ودراسات الجماعات الصغيرة) بجامعة متشجان وقد اشتهر فيه ”الصهيوني المتأجج” -كما يصفه الصهاينة- كيرت ليفن .. ومن ذلك مراكز لدراسة (الكيبوتزات) وهي دور رعاية لتنشئة الأطفال ورعايتهم وتعليمهم التعصب اليهودي.. ولليهود أبحاث في دراسة الشخصية العربية والإسلامية، وفهم الشخصية الفلسطينية..
توظيف العلوم للتنصير:
من ذلك تدريس القسس هذه العلوم مثل موضوع (الصحة النفسية أو الإرشاد النفسي) فهو يعطي توجيهات وإرشادات نفسية.. ففيها مدخل للتنصير ، وهم يستخدمون حتى الطب البشري بغرض التنصير.. ومن ذلك اختيارهم لبعض المتخصصين في هذه العلوم وإعطاؤهم مرتبة (قسيس).
الاتحاد السوفيتي سابقاً وتوظيفه لهذه العلوم:
كان علم النفس السوفيتي يقوم على فكرة وإيدلوجية ترفض الأديان وترفض الطبقية، ولا زالت المراجع والموسوعات الغربية تخصص صفحات معينة للحديث عن (المدرسة السوفيتية في علم النفس) مقرين بذلك الفروق بينها وبين المدرسة الغربية. وفي المجال التطبيقي تؤكد هذه المدرسة على أن الأمراض النفسية سببها حرمان بعض الطبقات بسبب ظلم طبقات أخرى، وأن العلاج هو انهماك المريض النفسي بالعمل فتتغير عليه البيئة التي سببت له القلق النفسي، وهذا العلاج إذا قارناه بالعلاج الغربي وجدناه أفضل!.
لكن بعد سقوط النظرية الماركسية يرى توفيق أن الصراع سيعود إلى أصله: صراع بين رؤيتين للعالم رؤية مؤمنة ورؤية ملحدة..

ثم يذكر توفيق أن حاجتنا لهذا التأصيل في الدراسات النفسية حاجة نفسية، ولغوية، وعلمية حضارية، وإنسانية:
  1. الحاجة النفسية: هناك حواجز تكونت لدى عدد من المشتغلين بالدراسات النفسية من المسلمين بسبب الصراع الذي قام في أوربا بين العلم والدين، فالتأصيل الإسلامي لبعض الأبحاث النفسية سيساهم في تكسير هذه الحواجز النفسية. وبهذا التأصيل يزول التنافر المعرفي الذي يعيشه آخرون بين إسلامهم واختصاصهم العلمي، كما سيعين أولئك الذين لا زالوا يترددون في الخروج من "جحر الضب"..
  2. ثم هناك حاجة لغوية للتأصيل: فاللغة العربية بحر وغير عاجزة فهي من أثرى اللغات وأكثرها مفردات واشتقاقات، والقصور إنما جاء من أبناء اللغة العربية لا منها. فحاجة هذه العلوم إلى الترجمة وترجمة المصطلحات قوية وهناك تجربة ناجحة مثلا في سوريا، فالطلاب يدرسون الطب باللغة العربية.
  3. وهناك حاجة علمية وحضارية: فالتأصيل سيساهم في جمع المسلمين على هذا التوجه كما جمعتهم عدد من المنظمات التي أنشئت لتحقيق هدف تقارب المسلمين وتقوية جماعاتهم.. والأبحاث التي ستتم في هذا المشروع ستوعي عددا من العلماء المسلمين الذين لا يكنّون العداء للإسلام ولكنهم يعتزون بثقافتهم الغربية وينظرون إليها بأنها مكسب لا يمكن التنازل عنه سيجدون أن الانتساب لهذا المشروع لا يكلفهم التنازل عن ثقافتهم بل توظيفها في الاتجاه الصحيح. ثم يشير توفيق إلى مدخل لدراسة النصوص الشرعية يبشر به بعض المنحرفين وهو منهج غربي يعطي القارئ للنص الفرصة لتجاوز معناه إلى معنى من عنده.. فالنص متاح له يحرفه كيف يشاء.. لكن التأصيل عكس ذلك: فبدل أن تقرأ النصوص بنظرة هذه العلوم، تقرأ هذه العلوم بنظرة الشرع. فالإسلام يقدم الحلول الإسلامية للمشكلات التي تعاني منها الشعوب الغربية.. ثم يقول توفيق: (إن التأصيل الإسلامي للعلوم الإنسانية هو الذي يمنع هذا التواصل الحضاري الذي يريد البعض أن يسير في اتجاه واحد! اتجاه يَخضع فيه الخطاب الإسلامي للخطاب الغربي، ويخضع فيه النص الإسلامي للتفسير الغربي).
  4. والتأصيل حاجة إنسانية: إن علم النفس الذي انتدبه الغرب ليحل الجانب النفسي من أزمته الراهنة أصبح جزءاً منها، ومظهراً من مظاهرها! يقول عالم النفس ”إريك فروم”: (إن اهتمام علم النفس الحديث ينصَبُّ في أغلب الأحيان على مشكلات تافهة تتمشى مع منهج علمي مزعوم.. هكذا أصبح علم النفس يفتقر إلى موضوعه الرئيسي وهو الروح، وكان معنياً بالميكانزمات وتكوين ردود الأفعال والغرائز دون أن يعنى بالظواهر الأساسية المميزة أشد التمييز للإنسان كالحب والعقل والشعور والقيم).. أما علم النفس بوجهته الإسلامية فيستأنف العلاقة التي تعرضت للقطيعة في أوربا ليعود الانسجام بين المعرفة الحاصلة من طريق العقل والحاصلة من طريق الوحي. فالبديل الإسلامي سيسهم في تصحيح مسار علم النفس نحو الوجهة الصحيحة.

============
(*) هذا الموضوع في الأصل مُلَخَّص من كتاب (التأصيل الإسلامي للدراسات النفسية ) د. محمد عز الدين توفيق (30-55) مع إضافة عدد من التعليقات للدكتور عبدالعزيز المحيميد عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام.

الكــاتــب

هناك تعليق واحد:

  1. ارجو مساعدتى لبحث عن التاصيل الاسلامى للعلوم اتلتجاريه والحاسب الالى وجزيتم mahetab84@yahoo.com.au

    ردحذف

أسعد بمشاركتك برأي أو سؤال

جميع الحقوق محفوظة لــ مدونة الباقي