مساحة اعلانية

موضوع عشوائي

آخر المواضيع

كيف أغرس في أولادي القيم الإسلامية (13)

في المقال السابق بدأنا الحديث عن كيفية غرس القيم، وتكلمنا عن أسلوب المحاضرة، وأسلوب الحوار، والقدوة.. والآن سنفصل الحديث عن وسيلة مهمة؛ وهي (التربية بالحدث)[*].

4- التربية بالحدث:
هذا النوع من الوسائل لا يتم من خلال التخطيط، وإنما بالاستفادة من المواقف والمثيرات المختلفة.. هذه المواقف تصدر أحيانًا من المتربي نفسه، وأحيانًا تحدث أمامه، فيستثمر المربي هذا الموقف أو ذاك لغرس قيمةٍ وتأكيد أخرى.

إذا كان الموقف سلوكًا صادرًا من المتربي، فهذا السلوك إما أن يكون إيجابيًا يحتاج إلى تعزيز، أو سلبيًا يحتاج إلى تقويم، فالأول يحتاج من المربي إلى ثناء معتدل لا يُخرِج المتربي إلى غرور، والآخر يحتاج إلى توجيه لطيف.
ومثال الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: ((إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ))، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا أَم اللَّهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: ((بَلْ اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا))، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ [سنن أبي داود - (ج 13 / ص 457)].
وما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَإِنَّ أَمِينَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ)) [سنن الترمذي- (ج 12 / ص 263)]، ومن أمثلته أيضًا قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري: ((لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ؛ لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ)) [(صحيح مسلم - (ج 4 / ص 208)].

ومثال الآخر (الموقف السلبي من المتربي): ما رواه مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ السُّلَمِيّ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِن الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ! مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ؛ فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلا ضَرَبَنِي وَلا شَتَمَنِي، قَالَ: ((إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ؛ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ)). أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلامِ، وَإِنَّ مِنَّا رِجَالا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ، قَالَ: ((فَلا تَأْتِهِمْ))، قَالَ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ قَالَ: ((ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلا يَصُدَّنَّهُمْ))، وفي رواية: ((فَلا يَصُدَّنَّكُمْ))، قَالَ: قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ، قَالَ: ((كَانَ نَبِيٌّ مِنْ الأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ، فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ))، قَالَ: وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ، فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ، لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلا أُعْتِقُهَا؟ قَالَ: ((ائْتِنِي بِهَا))، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ لَهَا: ((أَيْنَ اللَّهُ؟)) قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: ((مَنْ أَنَا؟))، قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: ((أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ)) [صحيح مسلم - (ج 3 / ص 140)].

فتأمل كيف راعاه النبي صلى الله عليه وسلم في الخطأ الأول وهو حديث عهد بإسلام، وكيف عظّم عليه الثاني بعد ذلك. مع ملاحظة الفرق بين الخطأين؛ فالأول لازم، والثاني متعد.. ومن هذا الباب قصة أسامة عندما قتل الرجل الذي تشهد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؟)) قَالَ: قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. [صحيح البخاري - (ج 13 / ص 164)].
لاشك أن موقف المربي من خطأ المتربي يختلف بحسب مستواه التربوي، وبحسب الخطأ نفسه.

الجدير بالذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس من عادته في علاج أخطاء الصحابة أن يصرخ في وجوههم أو يهاجم شخصياتهم كما يفعله بعض الآباء، بل كان إذا رأى منهم خطأً عرفوا ذلك في وجهه، كما روت عائشة رضي الله عنها أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْهُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟)) قُلْتُ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ))، وَقَالَ: ((إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ)) [صحيح البخاري - (ج 7 / ص 293)]، وفي الحديث دلالة واضحة أيضًا على أهمية التثبت من خطأ المتربي قبل اتخاذ أي خطوة: (ما بال هذه النمرقة؟).

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَامَتْ امْرَأَةٌ مِن الْأَنْصَارِ فَحَكَّتْهَا وَجَعَلَتْ مَكَانَهَا خَلُوقًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا أَحْسَنَ هَذَا)) [سنن النسائي - (ج 3 / ص 159)]. وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ يَخْتَصِمُونَ فِي الْقَدَرِ، فَكَأَنَّمَا يُفْقَأُ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ مِنْ الْغَضَبِ، فَقَالَ: ((بِهَذَا أُمِرْتُمْ؟ أَوْ لِهَذَا خُلِقْتُمْ؟ تَضْرِبُونَ الْقُرْآنَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ؟ بِهَذَا هَلَكَت الأُمَمُ قَبْلَكُمْ))، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: مَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِمَجْلِسٍ تَخَلَّفْتُ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَتَخَلُّفِي عَنْهُ. [سنن ابن ماجه - (ج 1 / ص 93)].

والحديث هنا عن أخطاء المتربين التي تحدث مرة أو مرتين، أما الأخطاء التي يتكرر فعل المتربي لها، فالأفضل في علاجها هو التركيز على الجانب الإيجابي الذي يزيلها؛ لأن التركيز عليها وتكرار تحذير المتربي منها يسبب نفورًا بين المربي والمتربي، فعندما يكذب الابنُ على والده ينبهه الوالد على هذا الخطأ، لكن إن لاحظ الوالد تكرار هذا الخطأ فليعلم حينها أن سبب تكرار هذا السلوك السيء غياب قيمة (الصدق) ، وعليه أن يسعى لغرس هذه القيمة في ابنه.

أحيانًا يحدث موقف أمام المتربي، فيستثمره المربي للتأكيد على قيمه، وأمثلة هذا من السيرة النبوية كثيرة جدًا؛ منها: ما صح عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: قُدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِن السَّبْيِ تَبْتَغِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟))، قُلْنَا: لا وَاللَّهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا)) [صحيح مسلم - (ج 13 / ص 314)].

وأحيانًا يقص المتربي على المربي قصة عايشها، فيُعلِّق المربي على القصة بما يحقق تعزيز القيمة كما ورد عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ قَالَ: ((أَلا تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟))، قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتْ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ! إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ، وَجَمَعَ الأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتْ الأَيْدِي وَالأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا! قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((صَدَقَتْ، صَدَقَتْ، كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ)) [سنن ابن ماجه - (ج 12 / ص 14)]، وفي هذا من الفوائد أنَّ على المربي أن يفتح المجال للمتربي كي يحدثه عما مر به من تجارب وقصص خلال غيابه عنه، ويعلق عليها بما يحقق المصلحة.

وللحديث صلة..

=========
[*]نشر أصل المقال في موقع الألوكة


الكــاتــب

هناك تعليقان (2):

أسعد بمشاركتك برأي أو سؤال

جميع الحقوق محفوظة لــ مدونة الباقي