مساحة اعلانية

موضوع عشوائي

آخر المواضيع

كيف أغرس في أولادي القيم الإسلامية (17)

في هذا المقال نستكمل الحديث عن ضوابط بناء القيم[*]..

4- الحياة مدرسة القيم:
تأتي الخطوة الأولى لغرس القيم مِن صلاح الأب نفسه؛ ففاقد الشيء لا يعطيه، ثم اختياره للأم الصالحة (فاظفر بذات الدين تربت يداك)، ثم ببناء البيت المحافظ الخالي من آلات اللهو والفساد، ثم بحماية الابن من أخطار البيئة الخارجية (الشارع، الأصدقاء، الأقارب..).
وسأستعرض فيما يلي مجموعة من المؤثرات الخارجية التي تشارك الوالدين في تشكيل شخصية الأولاد:

وسائل الإعلام الغربية أو المستغربة:
يَغفُل كثير من الآباء عن أثر وسائل الإعلام في غرس القيم، وهي –خاصة الوسائل الغربية– وسائل موجَّهة مدروسة، من أَولى أولوياتها نشر ثقافة وقيم البلد المنتج.

أ- الأفلام:
من المتفق عليه عند أهل الفن أن المشاهِد يتعلَّق قلبُه ببطل الفلم -وبطلُ الفلم هو من تدور عليه أحداث الفلم، ويظهر في أغلب المشاهد المؤثرة أو المثيرة- ومِن طريف ما يروى هنا الخبر الذي نشرته الـ(BBC) بعد مقتل "كابتن أميركا"؛ حيث قامت الدنيا ولم تقعد بعد إعلان مقتله، وأقيمت لذلك الندوات والأمسيات، وراجع عدد من الأمريكيين الأطباء النفسيين للتداوي من آثار الصدمة النفسية بعد مقتله..
بقي أن نعرف أن "كابتن أميركا" شخصية كارتونية، على نمط الرجل العنكبوت "Spider-Man" والرجل الوطواط "Batman"، لكن الشركة المنتجة للفلم الكارتوني رأت أن تنهي حياته، وتقتله! الأمر الذي لم يعتده الأمريكيون! فالبطل في عرف الأفلام الأمريكية لا يموت، وربما يحيا بعد الموت!!


وفي الأفلام الغربية - خاصة أفلام العنف - يكون البطل مدخنًا، حليقًا، له عشيقة، وربما كان سفاحًا أو تاجر مخدرات أو ساحرًا! أو مجرمًا تطارده أجهزة الأمن دون جدوى! وتُبرِز هذه الأفلام أثَرَ المرأة الفاعل في المجتمع؛ شرطيةً كانت أو باحثةً أو ممثلةً أو مغنية، أو حتى مقاتلةً شرسة! ولا يكاد يخلو فلم من التساهل في الدماء والعلاقات غير الشرعية بين الرجال والنساء.. وليست الأفلام العربية بأحسن حال من أختها الغربية.

إن متابعة أبنائنا لهذه الأفلام ينخر في القيم التي نغرسها فيهم، بل يغرس فيهم قيم الغرب بأساليب خطيرة ومؤثرة، أكثر مما نغرسه نحن بممارستنا الأساليب التقليدية..

ب- الأغاني والغواني:
يعجب المتابع للقنوات الفضائية عندما يرى هذا الكم الهائل من الأغاني الراقصة العربية والغربية، والتركيز على المرأة تركيزًا أساسيًّا، حتى سادت العبارة المشهورة (لا إعلام بدون المرأة!) بل وزادت وقاحتها إلى عرض مشاهدَ حية لشبابٍ وفتياتٍ يضحكون ويمرحون ويغنُّون دون تدخل من المخرج! ولست هنا بصدد تقييم هذا الطرح أو بيان فلسفةِ القائمين على الإعلام، لكني أود إيضاح أثر هذا المجون على المتربي.

إن الإنسان له طبيعة طينية تجذبه للأرض وشهواتها، وطبيعة روحية تجذبه للسماء وعلوها، وهو مخلوق ضعيف تغلبه شهوته حينًا وينتصر عليها حينًا آخر، وهو مطالب بضبط دوافعه الفطرية لا بكبتها، ومن أقوى مقومات الضبط البعد عن مواطن الفتن؛ كما في حديث الذي قتل مائة نفس (انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا؛ فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ، فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ، وَلا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سوْءٍ) [صحيح مسلم ج 13 / ص 338].

وأول باب الفتن هو النساء؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ) [صحيح مسلم - ج 13 / ص 286].

وماذا ننتظر من شابٍّ تتوقد فيه الشهوة وهو يشاهد هذه القنوات؟ ويعايش فيها الحب والمرح والضحك والغناء في مشاهدَ زائفة، ويعيش في محيطٍ أجواءه ماديةٌ جافةٌ من المشاعر!
إن النظرة الواحدة تصيبه بسهم في قلبه، والأغنية - مزمار الشيطان - تفسد عليه إيمانه، وتدعوه للفحشاء والمنكر، فكيف بنظرات، وكيف بأغاني وسهرات؟!

ج - البرامج والمنتديات الحوارية:
إن كانت الأغاني والغواني فتحت أبواب الشهوات على المتربين، فالبرامج الحوارية - في كثير منها - تَفتح أبوابَ شُبهاتٍ لا تُغلق، والشبهاتُ أخطر من الشهوات؛ لأن التعافي من مرض الشهوة أرجا ، ومريضُ الشبهة إن شُفِي فلن يسلم من اللوثات الفكرية المتبقية في باطنه وهنا مكمن الخطورة.

لقد أتاحت البرامج الحوارية فرصة كبيرة لنشر مذاهبَ هدامة بثياب جديدة؛ كالاعتزال، والتصوف، والرفض، والتغريب، ولا تجد هذه البرامجُ غضاضةً في مناقشة أي قضيةٍ حتى ولو كانت من ثوابت الأمة! فاجترأت على الثوابت، وحاربت الإسلام باسم الحرية والحوار.

د- الصحف والمجلات:
من الأساليب التغريبية التي دخلت بيوتات المسلمين: الصحف والمجلات، والأولى تتميز بالقرب، والأخرى بالعمق.
المتابع للصحف السيارة يلحظ أنها - في الأغلب - موجَّهة لخدمة أهداف محدَّدة، ومنهجها (اكذب واكذب حتى يصدقك الناس!)، ومما لم تسر به الركبان من الأمثلة: (دعاوى صحفي!)[1].

واعلموا أن لا دعاوى هشة *** كدعاوى صحفي فارغ


إن مكمن الخطورة في الصحف هو أثرها في صناعة الرأي العام، فإذا أراد أصحابها تهيئة الرأي العام لوضع جديد أو قرار يخالف قيم الناس أو قناعاتهم ركّزوا الطرح حوله بالرؤية التي يريدونها، فيُخيَّل للمجتمع أن ما يطرح توجه عام، أو أمرٌ غالب!

أما المجلات - في مجملها - فتركيزها على جانب الشهوات والشبهات واضح، فلا يخلو عدد من (فاتنة في الغلاف)! ولا من حوارات تنخر في قيم المجتمع.

الألعاب الإلكترونية:
مشكلة عامة الألعاب الإلكترونية أنها ليست إسلامية! فهي إما أن تكون غربية المصدر تخدم أهدافًا نصرانية، أو شرقيةً تخدم أهدافًا وثنية، وكل منهما له أهداف ليبرالية، أما البرامج الإسلامية فلا تصل مع الأسف إلى المستوى الفني المنافس الذي يجذب الطفل أو الشاب إليها.

إن لعبة مثل "بلاي ستيشن" PlayStation وهي لعبة مشهورة ولها جمهور عريض من المسلمين وغير المسلمين، هي جزء من منظومة متكاملة (السينما، والمجلات، والقنوات الفضائية) تسعى لتحقيق أهداف محددة.

مكمن الخطورة في أمثال هذه اللعبة أنها تؤثر في قيم اللاعب من غير أن يشعر، وذلك لأمور:
أ- أن وعي اللاعب يرتخي أثناء ممارسة اللعبة؛ مما يتيح المجال للتبادل غير المقصود بين الظاهر والباطن كما سبق بيانه.

ب- أن اللاعب يتقمص - من غير أن يشعر - شخصية بطل اللعبة الذي ربما يلبس الصليب، ويسرق ويقتل، ويفحِّط، ويرهب الناس.. وقد ذكر لي أحد الأفاضل أنه شاهد طفلاً يلعب هذه اللعبة فسأله ماذا تفعل الآن؟ قال: قتلتُ الرجل.. وسرقتُ..، فلما انتهى الطفل من اللعب سأله صاحبنا: ما حكم القتل والسرقة؟ قال: حرام. قال له: فلم إذن قتلتَ رجلا قبل قليل، وسرقتَ وأنت تعلم أن القتل والسرقة حرام؟!

ج- الأمر الأخطر في الموضوع أنها ألعاب موجهة، ولها أهداف محددة كما سبق أن ذكرت.

تنبيه مهم:
إن التركيز على الجانب السلبي فيما يتعلق بوسائل الإعلام أو الألعاب لا يعني أنها جمعت السوء وخلت من الخير، ولكن الحديث عن مجمل ما يطرح فيها، وقد ظهرت في الآونة الأخيرة تجارِبُ ناجحةٌ تتيح الفرصة لبديلٍ إسلاميٍّ منافس، لكنها ما زالت دون المطلوب عددًا وعُدَّة.. وأملنا في مستقبل مشرق إن شاء الله.

والواجب على الوالدين اختيار المناسب من الوسائل الإعلامية والألعاب للمتربين، ومراقبة كل ما يدخل البيت، فهذا من الأمانة التي ائتمنهم الله عليها؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ؛ أَلا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) [متفق عليه].

وعند مسلم عن معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) [صحيح مسلم - ج 1 / ص 343].

وللحديث صلة..



ــــــــــــــــــــ
[*] أصل المقال نشر في موقع الألوكة الإلكتروني.
[1] من سلسلة مقالات رائعة بعنوان "فائت الأمثال" للشاعر الأديب فواز اللعبون، نشرها في مرآة الجامعة التي تصدرها جامعة الإمام بالرياض، ينظر العدد 447.

الكــاتــب

ليست هناك تعليقات:

أسعد بمشاركتك برأي أو سؤال

جميع الحقوق محفوظة لــ مدونة الباقي