مساحة اعلانية

موضوع عشوائي

آخر المواضيع

فقه الطهارة المُيسَّر (12)

الحيض والنفاس (الجزء الأول)
الحيض لُغَةً: مُشتقٌّ مِن حاض الوادي إذا سال. 
وفي اصطلاح الفقهاء هو: دم طبيعة وجِبِلَّة ترخيه الرحم في أوقات معلومة. قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة في الحج لمَّا حاضت تطييباً لخاطرها «إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ» متفق عليه [صحيح البخاري1/81، صحيح مسلم 4/30]. وهو علامة البلوغ للمرأة لحديث عَائِشَةَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم أَنَّهُ قَالَ: «لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ حَائِضٍ إِلاَّ بِخِمَارٍ». أخرجه أهل السنن[سنن أبي داود 1/244] وصححه الألباني [صحيح أبي داود 3/206] وحائض أي: أَي بَلَغَت سنَّ المَحِيض وجرى عليها القلم ولم يُرِدْ في أَيام حَيْضِها لأَن الحائِضَ لا صلاة عليها. [لسان العرب 7/142] 
والنفاس هو : دم طبيعة وجِبِلَّة ترخيه الرحم بسبب خروج الولد. وأحكامه أحكام الحيض في الجملة، ويطلق أحدهما على الآخر تجوزاً. 

ماذا يترتب على الحيض؟ 
إذا حاضت المرأة فثمة أحكام فقهية تترتب على الحيض، وهي: 
1) أداء الصلاة، لحديث أبي سعيد الخدري «أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ».[صحيح البخاري1/83] 
2) ووجوب الصلاة، لذا لاتقضيها المرأة بعد أن تطهر من الحيض، لحديث مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِى الصَّوْمَ وَلاَ تَقْضِى الصَّلاَةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟! قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ! وَلَكِنِّى أَسْأَلُ، قَالَتْ: «كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلاَ نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاَةِ». [صحيح مسلم1/182] 
3) وأداء الصوم، لا وجوبه، فيجب عليها قضاء الصوم بعد الطُّهر للأحاديث السابقة، وما مضى محل إجماع بين أهل العلم. 
4) والطواف، لحديث عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لاَ نَذْكُرُ إِلاَّ الْحَجَّ، فَلَمَّا جِئْنَا سَرِفَ طَمِثْتُ فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكِ؟» قُلْتُ: لَوَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنِّي لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ، قَالَ: «لَعَلَّكِ نُفِسْتِ» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «فَإِنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي» متفق عليه. [صحيح البخاري1/84، صحيح مسلم 4/30] 
- لو اضطُرَّت إلى الطواف، كأن تكون بعيدة ومعها رفقة تخاف فواتها ولم تطف طواف الإفاضة، فهل يجزؤها أن تطوف وهي حائض؟ 
الحائض يسقط عنها طواف الوداع بدليل حديث عائشة رضي الله عنها: أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَاضَتْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟» فَقُلْتُ: إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ يَا رَسُولَ اللهِ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «فَلْتَنْفِرْ». متفق عليه [صحيح البخاري5/223، صحيح مسلم 4/94] أما طواف الإفاضة فلا يسقط عن المرأة، فلو أن امرأةً حجت وحاضت قبل أن تفيض فيجب عليها أن تنتظر حتى تطهر ثم تغتسل وتطوف، وينبغي على وليها أن ينتظر معها، ولها أن ترجع إلى أهلها إن كان منزلها قريباً ثم تعود للطواف بعد الطهر في أشهر الحج لكنها في هذه الحال تظل على إحرامها حتى تطوف الإفاضة. 
وهنا مسألة: لو أن امرأة حاضت في الحج ولم تطف الإفاضة، وهي من بلاد بعيدة، وليس من السهل عليها الرجوع للحج مرة أخرى، وخافت فوات الرفقة فماذا تفعل؟ رجح شيخ الإسلام جواز طواف الحائض طواف الإفاضة بعد أن تغتسل وتتحفظ كما تفعل المستحاضة، وعليها دم فدية لتركها شرط الطواف، وذلك في حال الضرورة أو الحاجة الشديدة. [مجموع الفتاوى 26/219-241] وهذا ربما يحدث للنساء اللاتي يأتين من بلدان بعيدة، وغالباً لايتيسر لهن الحج إلا مرة في العُمُر لبعد المسافة وتكلفة الحج، وربما تضطر إلى السفر قبل أن تطهر لأنها لاتستطيع تفويت موعد الطائرة وترك حملة الحج التي جاءت معها، فيجوز لها في مثل هذه الحال أن تغتسل وتتحفظ ثم تطوف بالبيت وتفدي لتركها شرط الطواف. أما النساء اللاتي يستطعن الانتظار أو الرجوع كمثل حال نسائنا في الحجاز ونجد فيتعين عليهن الانتظار حتى يطهرن. 
5) ويمنع الحيضُ مسَّ المصحف لحديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات بعث به مع عمرو بن حزم وفيه (ولا يمس القرآن إلا طاهر) [صحيح ابن حبان 14/501، وتقدم تخريجه في "نواقض الوضوء"]. 
6) واللبثَ في المسجد، إلا المرور لحاجة فجائز لقوله تعالى (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) [النساء : 43] ولحديث عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنهَا قَالَتْ: قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «نَاوِلِينِى الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ». قَالَتْ: فَقُلْتُ: إِنِّى حَائِضٌ، فَقَالَ: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِى يَدِكِ». [صحيح مسلم1/168] والخُمرة: حصيرٌ صغير قَدر ما يُسجَدُ عليه يُنسَج من السَّعَفِ، سُمِّيت خُمْرة لأَنها تستر الوجه من الأَرض. [لسان العرب4/254] 
7) والوطء في الفرج، أجمع العلماء على ذلك، لقوله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة : 222] ولحديث أَنَسٍ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِى الْبُيُوتِ فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِى الْمَحِيضِ) إِلَى آخِرِ الآيَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «اصْنَعُوا كُلَّ شَىْءٍ إِلاَّ النِّكَاحَ»، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ فَقَالُوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلاَّ خَالَفَنَا فِيهِ، فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَقَالاَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، فَلاَ نُجَامِعُهُنَّ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا، فَخَرَجَا، فَاسْتَقْبَلَهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم، فَأَرْسَلَ فِى آثَارِهِمَا، فَسَقَاهُمَا، فَعَرَفَا أَنْ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمَا. [صحيح مسلم1/169] وإتيانُ الحائض في فرجها أمرٌ مُستَقذَرٌ، فمَن اقترفه فعليه التوبة، و - عند جماعةٍ مِن أهل العلم – الكفارة لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فِى الَّذِى يَأْتِى امْرَأَتَهُ وَهِىَ حَائِضٌ قَالَ: «يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَكَذَا الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ قَالَ: «دِينَارٌ أَوْ نِصْفُ دِينَارٍ» وَرُبَّمَا لَمْ يَرْفَعْهُ شُعْبَةُ. [سنن أبي داود1/108] والحديث رواه أهل السنن وأحمد وحسّنه، وفي سنده ومتنه اضطراب، وصححه ابن القطّان وابن دقيق العيد وابن حجر [تلخيص الحبير 1/428-430]، والدِّينار: العُملة من الذَّهب، وزِنةُ الديِّنار الإِسلاميِّ مثقالٌ من الذهب، والمثقالُ: غرامان وربع. [الشرح الممتع على زاد المستقنع1/478] وللرجل أن يستمتع بالحائض فيما دون الفرج كما في حديث عَائِشَةَ ، قَالَتْ: كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا قَالَتْ: وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَمْلِكُ إِرْبَهُ. متفق عليه [صحيح البخاري1/83، صحيح مسلم 1/166]. أما المستحاضة فيجوز الاستمتاع بها في الفرج لأن حدثها دائم كما سيأتي. 
8) ويمنع الحيضُ الطلاقَ، فلا يجوز للرجل أن يُطلِّقَ زوجته وهي حائض لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) [الطلاق : 1] أي مستقبلاتٍ العِدَّة، والأصلُ في عِدة المرأة أنها ثلاثُ حِيَض لقوله تعالى (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة : 228] أي ثلاث حِيَض، فالطلاق الذي على السُّنَّة أن يُطلِّقها وهي حامل أو يُطلِّقها في طُهرٍ لم يجامعها فيه ، فتبدأ حساب العِدَّة من أول حَيضَةٍ بعد الطلاق لحديث ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهْىَ حَائِضٌ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لْيَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِى أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ». متفق عليه [صحيح البخاري 7/52، صحيح مسلم4/179] فمَن طلَّق زوجته وهي حائض أو بعد أن طهرت لكنه جامعها في هذا الطُّهر ثم طلقها فطلاقه طلاقٌ بدعي. 
- إذا طلَّق زوجته طلاقاً بدعياً فتلزمه مراجعتها لحديث ابن عمر، لكن هل يُعتَد بهذه الطلقة البدعية؟ 
قولان لأهل العلم: الأول: أنَّ الطلاق البدعي يُعتَدُّ به وتلزمه المراجعة(بعضهم أوجب المراجعة، وبعضهم استحبها). القول الآخر: أنَّ الطلاق البدعي لايُعتَدُّ به لأنّه فاسد، وهذا القول رجّحه شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: وقول الطائفة الثانية أشبه بالأصول والنصوص، إذ الأصل الذى عليه السلف والفقهاء أن العبادات والعقود المحرمة إذا فعلت على الوجه المحرم لم تكن لازمة صحيحة. [كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه33/24] 
9) ويمنع الحيضُ الزوجةَ الصغيرة أن تعتدَّ بالأشهر، فإذا كانت الزوجةُ صغيرةً لم يأتها الحيض وطلَّقها زوجها فإنها تَعْتَدُّ بالأشهر لقوله تعالى (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) [الطلاق : 4] فإذا أتاها الحيضُ قبل الطلاق فتنتقل من حكم الصغيرة إلى حكم المرأة الكبيرة فتكون عدتها ثلاثة حِيَض كما تقدم. 

وللحديث صلة..

الكــاتــب

ليست هناك تعليقات:

أسعد بمشاركتك برأي أو سؤال

جميع الحقوق محفوظة لــ مدونة الباقي